للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجهه بين أظهركم؟ قال فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى! لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته- أو لأعفرن وجهه في التراب، قال فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلي- زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجأهم منه إلّا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا» ، قال: فأنزل الله- عز وجل- كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى * إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى* أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى * ... إلى قوله: كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ «١» .

وروى البخاري بسنده إلى عروة بن الزبير، قال: سألت عبد الله بن عمر عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: رأيت عقبة بن أبي معيط، جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه فخنقه خنقا شديدا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أتقتلون رجلا أن يقول ربّي الله، وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم؟» «٢» .

وروى البخاري «٣» ومسلم «٤» من حديث ابن مسعود، قال: «بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد. فانبعث أشقى القوم «٥» فأخذه. فلما سجد النبي صلّى الله عليه وسلّم وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر. لو كان لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والنبي صلّى الله عليه وسلّم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت هي وجويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم. فلما قضى النبي صلّى الله عليه وسلّم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم ... فو الذي بعث محمدا صلّى الله عليه وسلّم بالحق لقد رأيت الذي سمى (أي ذكر أسماءهم بالدعاء عليهم) صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر» .

قال ابن حجر «٦» وقد أخرج أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس، قال: «لقد ضربوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرة حتى غشي عليه، فقام أبو بكر فجعل ينادي: ويلكم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟ فتركوه وأقبلوا على أبي بكر ... » .

وحاولت أم جميل- زوجة أبي لهب- أن تعتدي عليه بحجر فحماه الله منها فلم تره- كما روى البيهقي «٧» . وكانت تحمل الحطب لتضعه في طريقه صلّى الله عليه وسلّم- كما حكاه القرآن الكريم وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ «٨» .


(١) القرآن الكريم- سورة العلق، الآيات/ ٦- ١٩.
(٢) البخاري- الصحيح- الفتح: (١٤/ ١٧٩/ ح ٣٦٧٨) و (١٥/ ٩- ١١/ ح ٣٨٥٦) .
(٣) البخاري- الصحيح- الفتح (١٢/ ٦٦/ ح ٢٩٣٤) .
(٤) مسلم- الصحيح (٣/ ١٤١٨- ١٤١٩/ ح ١٧٩٤) .
(٥) هو عقبة بن أبي معيط كما صرح به في الرواية الثانية عند مسلم- الصحيح (٣/ ١٤١٩/ ح ١٧٩٤) .
(٦) فتح الباري (١٥/ ١١/ ح ٣٨٥٦) .
(٧) الدلائل (٢/ ١٩٦) بإسناد حسن لغيره لأنه تقوّى بآخر.
(٨) القرآن الكريم- سورة المسد، الآيتين/ ٤، ٥.