للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سريّة القردة:

أرادت قريش حماية تجارتها من الأخطار التي تتعرض لها عند سلوكها أحد الطريقين- الساحلي والداخلي- بين مكة وبلاد الشام، وخصوصا بعد أن ازدادت العمليات العسكرية الإسلامية شدة وتأثيرا بعد معركة بدر الكبرى وما يتعرض له حلفاء قريش من غزوات مما جعل الطريق تحت رحمة المسلمين «١» . ولهذا فقد فكر تجار قريش في إرسال تجارتهم عبر الطريق المتجهة إلى نجد فالعراق من أجل التخلص من الحصار الاقتصادي الإسلامي، فخرج أبو سفيان على رأس قافلة شارك في تمويلها عدد كبير من تجار قريش، وهي تحمل كميات كبيرة من الفضة إضافة إلى البضائع الأخرى، وقد استأجروا دليلا من بني بكر بن وائل «٢» . وحين علم النبي صلّى الله عليه وسلّم بخبر القافلة، أرسل زيد بن حارثة على رأس مائة من المسلمين في أثرهم، فلحقوا بهم على ماء بنجد يسمى القردة، فأصاب القافلة وحمولتها الثمينة، بعد أن فر الرجال. وقد تم ذلك بعد مرور ستة شهور من غزوة بدر الكبرى «٣» . وقد بلغت قيمة الغنائم مائة ألف درهم، مما عرض تجارة قريش لضربة عنيفة «٤» ، كما أن نجاح المسلمين في عرقلة طريق العراق أمام تجارة قريش أدى إلى إحكام الحصار التجاري عليها مما دعاها إلى التفكير الجاد في ضرورة القيام بعمل عسكري ضد المسلمين دفعا للأخطار التي تتعرض لها تجارتها، وتأمينا لطرقها، ومحاولة استعادة مكانتها وسمعتها التي تردت في أعقاب هزيمتها في معركة بدر الكبرى.

[غزوة أحد:]

تعود أسباب هذه المعركة إلى جملة من الأسباب المتداخلة، أبرزها رغبة قريش في الانتقام من المسلمين لقتلاها يوم بدر حيث كانت قد فقدت صناديد رجالها ولحق بها عار الهزيمة المنكرة إضافة إلى ما فقدته من أموالها التي غنمت، ومكانتها التي تهاوت وسمعتها التي مرغت في الوحل «٥» . يضاف إلى ذلك ما كان يشعر به زعماء قريش من أخطار تهددهم وتجارتهم التي كادت أن تتوقف مع بلاد الشام بعد أن تحكم المسلمون في كافة طرق التجارة الداخلية والساحلية، وخاصة بعد أن فقدوا أملهم الأخير في سلوك طريق العراق، وما جرى في سريّة القردة حين غنم المسلمون تجارتهم وعيرهم وقطعوا عليهم آخر طريق كانوا يؤملونه لاستمرار سير تجارتهم «٦» . هذا إلى جانب تعنت قريش وإصرارها على دين الآباء والأجداد ومقاومتها التوحيد، وحقدها التاريخي على الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين الذين أفلتوا من قبضتها، فأصبحوا لها ندّا يناصبونها العداء ويقطعون عليها سبل حياتها.

كانت استعدادات قريش لحرب المسلمين قد بدأت مبكرة في أعقاب هزيمتها في بدر، فقد رصدوا أموال


(١) ابن هشام- السيرة ٢/ ٤٢٩- ٤٣٠.
(٢) المرجع السابق ٢/ ٤٣٠، ابن كثير- البداية ٤/ ٤، وذكر الواقدي في مغازيه أن قائد القافلة لقريش كان صفوان بن أمية. انظر: البداية والنهاية لإبن كثير ٤/ ٥.
(٣) الواقدي- المغازي ١/ ١٩٧، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٣٦.
(٤) ابن سعد- الطبقات ٢/ ٣٦ بدون إسناد.
(٥) ابن إسحاق- السيرة ص/ ٣٢٢، ابن هشام- السيرة ٣/ ٨٦، الواقدي ١/ ١٩٩، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٣٧.
(٦) انظر مصادر سرية القردة فيما سبق.