للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يصلّي الفجر إلى طلوع الشّمس، فمن مات وهو مصرّ على هذه الحالة ولم يتب أوعده الله بغيّ، وهو واد في جهنّم بعيد قعره، شديد عقابه «١» .

وقال القرظيّ (محمّد بن كعب) : هي إضاعة كفر وجحود بها وقيل: إضاعة أوقاتها وعدم القيام بحقوقها، قال القرطبيّ: وهو الصّحيح «٢» .

أمّا السّهو عن الصّلاة فقد اختلف فيه على أقوال عديدة ذكر منها الإمام الطّبريّ:

١- تأخيرها عن وقتها: روي عن مصعب بن سعد قال: قلت لأبي: أرأيت قول الله- عزّ وجلّ- الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (الماعون/ ٥) .

أهي تركها: قال: لا. ولكنّه تأخيرها عن وقتها.

٢- وقيل عنى بذلك (بالسّهو) أنّهم يتركونها فلا يصلّونها، وذكر من قال ذلك عن ابن عبّاس في قوله فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (الماعون/ ٤- ٥) فهم المنافقون. كانوا يراءون النّاس بصلاتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا وقيل أيضا عن مجاهد في عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال: التّرك لها.

٣- يتهاونون بها ويتغافلون عنها.

قال مجاهد قوله عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال:

لاهون، وعن قتادة ساهُونَ: غافلون. وقال ابن زيد في قوله الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (الماعون/ ٥) يصلّون وليست الصّلاة من شأنهم، وعن مجاهد ساهُونَ يتهاونون.

قال الطّبريّ: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب قوله ساهُونَ: لاهون. يتغافلون عنها وفي اللهو عنها والتشاغل بغيرها تضييعها أحيانا وتضييع وقتها أخرى وإذا كان كذلك صحّ بذلك قول من قال: عنى بذلك ترك وقتها وقول من قال عنى تركها.

وممّا يؤيّد ذلك ما روي عن سعد بن أبي وقّاص قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قال هم الّذين يؤخّرون الصّلاة عن وقتها، وما روي عن أبي برزة الأسلميّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لمّا نزلت هذه الآية» «٣» . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ «هذا خير لكم من أن لو أعطي كلّ رجل منكم مثل جميع الدّنيا هو الّذي إن صلّى لم يرج خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربّه» .

[حكم ترك الصلاة:]

وقال ابن القيّم رحمه الله: «لا يختلف المسلمون أنّ ترك الصّلاة المفروضة عمدا من أعظم الذّنوب وأكبر الكبائر، وأنّ إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النّفس، وأخذ الأموال، ومن إثم الزّنى والسّرقة وشرب الخمر، وأنّه متعرّض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدّنيا والآخرة. وقد كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه- يكتب إلى الآفاق، أنّ أهمّ أموركم عندي الصّلاة، فمن حفظها، حفظ دينه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظّ في الإسلام


(١) الغزالي مكاشفة القلوب (٣٥٨) .
(٢) تفسير القرطبي (١١/ ١٢٢)
(٣) المرجع السابق (٣٠/ ٧٠٦، ٧٠٨) .