للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوّل من يجتاز الصّراط ويدخل الجنّة:

الصّراط جسر ممدود على متن جهنّم أحدّ من السّيف وأدقّ من الشّعر، فمن استقام في هذه الدّنيا على الصّراط المستقيم خفّ على صراط الآخرة، ونجا، ومن عدل عن الاستقامة في الدّنيا وأثقل ظهره بالأوزار وعصى تعثّر على الصّراط وتردّى.

وإنّ ممّا أكرم الله تعالى به هذه الأمّة ونبيّها صلّى الله عليه وسلّم، أن جعلهم أوّل من يجتاز ويعبر الصّراط، وأوّل من يدخل الجنّة دار السّلام.

وبين يديك أحاديث نبويّة تدلّ على ما ذكرناه:

- عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ أنّ ناسا قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله! هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر» قالوا: لا. يا رسول الله! قال: «هل تضارّون في الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله! قال: «فإنّكم ترونه كذلك. يجمع الله النّاس يوم القيامة. فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه. فيتبع من كان يعبد الشّمس الشّمس. ويتبع من كان يعبد القمر القمر. ويتبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت. وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها. فيأتيهم الله تبارك وتعالى، في صورة غير صورته الّتي يعرفون. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: نعوذ بالله منك. هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا. فإذا جاء ربّنا عرفناه. فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورته الّتي يعرفون. فيقول: أنا ربّكم.

فيقولون: أنت ربّنا. فيتّبعونه. ويضرب الصّراط بين ظهري جهنّم «١» . فأكون أنا وأمّتي أوّل من يجيز» «٢» ...

الحديث «٣» .

- عن أبي أسماء الرّحبيّ: أنّ ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثه قال: كنت قائما عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فجاء حبر «٤» من أحبار اليهود فقال: السّلام عليك يا محمّد! فدفعته دفعة كاد يصرع منها. فقال: لم تدفعني؟ فقلت:

ألا تقول يا رسول الله! فقال اليهوديّ: إنّما ندعوه باسمه الّذي سمّاه به أهله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ اسمي محمّد الّذي سمّاني به أهلي» فقال اليهوديّ جئت أسألك. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أينفعك شيء إن حدّثتك؟» قال: أسمع بأذنيّ. فنكت «٥» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعود معه. فقال: «سل» فقال اليهوديّ: أين يكون النّاس يوم تبدّل


(١) ويضرب الصراط بين ظهري جهنم: معناه يمد الصراط عليها.
(٢) فأكون أنا وأمتي أول من يجيز: معناه يكون أول من يمضي عليه ويقطعه.
(٣) رواه البخاري. انظر الفتح ١١ (٦٥٧٣) ، ورواه مسلم، واللفظ له برقم (١٨٢) .
(٤) حبر: قال في المصباح: الحبر بالكسر، العالم. والجمع أحبار. مثل حمل وأحمال. والحبر، بالفتح، لغة فيه. وجمعه حبور، مثل فلس وفلوس.
(٥) فنكت: معناه يخط العود في الأرض ويؤثر به فيها. وهذا ما يفعله المفكر.