والآخر: ما يرد على النّفس بضدّ ما تشتهيه من المخلوقين فمن تعوّد الحلم فليس بمحتاج إلى التّصبّر لاستواء العدم والوجود عنده «١» .
[بيان الأسباب الدافعة للحلم:]
قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: الحلم من أشرف الأخلاق وأحقّها بذوي الألباب لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد.
وأسباب الحلم الباعثة عليه عشرة وهي:
(١) الرّحمة للجهّال، وذلك من خير يوافق رقّة، وقد قيل في منثور الحكم: من أوكد أسباب الحلم رحمة الجهّال.
(٢) القدرة على الانتصار، وذلك من سعة الصّدر وحسن الثّقة.
(٣) التّرفّع عن السّباب، وذلك من شرف النّفس وعلوّ الهمّة. وقد قيل: إنّ الله تعالى سمّى نبيّه يحيى عليه السّلام سَيِّداً وذلك لحلمه ولذلك قال الشّاعر:
لا يبلغ المجد أقوام وإن كرموا ... حتّى يذلّوا وإن عزّوا لأقوام
ويشتموا فترى الألوان مسفرة ... لا صفح ذلّ ولكن صفح أحلام
(٤) الاستهانة بالمسيء، وذلك عن ضرب من الكبر ومن مستحسنه ما روي أنّ مصعب بن الزّبير لمّا وليّ العراق جلس يوما لعطاء الجند، وأمر مناديه فنادى: أين عمرو بن جرموز؟ وهو الّذي قتل أباه الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- فقيل له: إنّه قد تباعد في الأرض. فقال: أو يظنّ الجاهل أنّي أقيده بأبي عبد الله؟ فليظهر آمنا ليأخذ عطاءه موفّرا.
(٥) الاستحياء من جزاء الجواب، والباعث عليه صيانة النّفس وكمال المروءة، ولذلك قيل: ما أفحش حليم ولا أوحش كريم.
(٦) التّفضّل على السّابّ، ويبعث عليه الكرم وحبّ التّألّف، وقد حكي عن الأحنف بن قيس أنّه قال: ما عاداني أحد قطّ إلّا أخذت في أمري بإحدى ثلاث خصال: إن كان أعلى منّي عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضّلت عليه.
(٧) استنكاف السّبابّ وقطع سببه، والباعث عليه الحزم، وقد قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-: ما أدركت أمّي فأبرّها، ولكن لا أسبّ أحدا فيسبّها ولذلك قيل: في إعراضك صون أعراضك. وقد قال الشّاعر:
وفي الحلم ردع للسّفيه عن الأذى ... وفي الخرق إغراء فلا تك أخرقا
وقال آخر:
قل ما بدا لك من زور ومن كذب ... حلمي أصمّ وأذني غير صمّاء
(١) من روضة العقلاء (٢٠٨- ٢١٤) بتصرف.