[الحياة الإيمانية في ضوء علاقة الابتلاء والنفس الإنسانية]
إعداد: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح مؤسس ومدير عام دار الوسيلة للنشر والتوزيع إن الابتلاء وسيلة مهمة من وسائل التدريب العملي على ممارسة ما يعرف بالأخلاق العملية على أرض الواقع، ومن ثم فإنه يصقل الإنسان ويضبط انفعالاته، فهو محك يكشف عما في القلوب وهو وسيلة لاختبار رد فعل الإنسان وقدرته على التكيف مع المواقف المختلفة التي يمر بها في حياته، ومن المعروف أن هذه المواقف تختلف نوعا وكما، كما تختلف باختلاف الأشخاص والأعمار والأماكن وقوة الضغوط واستمراريتها، وهنا يكتسب- بالابتلاء- خبرة وتجربة ما كانت لتحدث لولا هذا الابتلاء، وليس من النادر أن يكسبه ذلك نوعا من الحكمة يتأسى بها طول حياته، كما أن فيه صقلا للطبع وتهذيبا للعاطفة وتنمية لحب الخير.
إن المرء يعيش جميع لحظات حياته في حالة ابتلاء، إما بالخير وإما بالشر، إما بالطاعة وإما بالمعصية، كان علينا أن نبحث هذا الموضوع بحثا تفصيليا يتضح من خلاله أنواعه ومظاهره، مجالاته وغاياته، وعلاقته بكل من الفتنة والاختبار، ونأمل من اتخاذ هذا المنهج أن ننجح في توضيح أهمية العلاقة بين مفهوم الحياة والابتلاء وترابطها وتداخلاتها مع المعايير الفردية والاجتماعية التي تضبط حركة السلوك الإنساني في هذه الحياة، نعني بذلك ما أوردناه في هذه الموسوعة من الأخلاق المحمودة التي أمرنا باتباعها، والأخلاق المذمومة التي أمرنا باجتنابها، وقد جاءت هذه الدراسة في مقدمة وخمسة فصول على النحو التالي:
الفصل الأول: مفهوم الحياة- الابتلاء.
الفصل الثاني: مجالات الابتلاء- أنواعه- مظاهره.
الفصل الثالث: حكمة الابتلاء.
الفصل الرابع: القيمة التربوية للابتلاء.
الفصل الخامس: تعامل المسلم مع مواقف الابتلاء.
إنه إذا كانت الآخرة دار حساب فإن الدنيا دار عمل وابتلاء، يقول سبحانه وتعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا «١» ، فما هو الابتلاء والنفس الإنسانية؟ وما هي علاقتهما بالأخلاق بجانبيها المحمود والمذموم في هذه الحياة الدنيا ويوم الحساب؟ وما هذه الحياة الدنيا؟ وما المراد بالنفس؟ وما معنى الابتلاء وكيفيته؟ وهذا ما سوف نجيب عنه في الفصول التالية.