للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به المراءون، وكلّهم يطلبون بذلك الجاه والمنزلة في قلوب العباد.

[درجات الرياء:]

للرّياء بحسب قصد المرائي أربع درجات:

الأولى: وهي أغلظها ألّا يكون مراده الثّواب أصلا، كالّذي يصلّي أمام النّاس، ولو انفرد فإنّه لا يصلّي، وربّما دفعه الرّياء إلى الصّلاة من غير طهر.

الثّانية: أنّ قصده للثّواب أقلّ من قصده لإظهار عمله. وهذا النّوع قريب ممّا قبله في الإثم.

الثّالثة: أن يتساوى قصد الثّواب وقصد الرّياء، بحيث إنّ أحدهما وحده لا يبعثه على العمل، ولكن لمّا اجتمع القصدان انبعثت فيه الرّغبة في العمل، وهذا قد أفسد بمقدار ما أصلح، وظواهر الأخبار تدلّ على أنّه لا يسلم (من العقاب) .

الرّابعة: أن يكون اطّلاع النّاس مرجّحا ومقوّيا لنشاطه، ولو لم يكن ذلك ما ترك العبادة، وهذا النّوع لا يحبط أصل الثّواب ولكنّه ينقص منه أو يعاقب صاحبه على مقدار قصد الرّياء، ويثاب على مقدار قصد الثّواب «١» .

[حكم الرياء:]

ذكر الذّهبيّ الرّياء ضمن الكبائر، وذكر أدلّة ذلك من الكتاب والسّنّة وآثار السّلف الصّالح «٢» ، وعدّه ابن حجر الكبيرة الثّانية بعد الشّرك بالله، وقال:

شهد بتحريمه الكتاب والسّنّة وانعقد عليه إجماع الأمّة، وبعد أن أشبع القول في ذكر أدلّة تحريمه قال:

المعنى في تحريمه وكونه كبيرة وشركا مقتضيا للّعن أنّ فيه استهزاء بالحقّ تعالى، ومن ثمّ كان الرّياء من كبائر الكبائر المهلكة ولذلك سمّاه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «الشّرك الأصغر» «٣» ، وفي الرّياء أيضا تلبيس على الخلق لإيهام المرائي لهم أنّه مخلص مطيع لله تعالى وهو بخلاف ذلك «٤» .

وقال ابن حجر أيضا: إذا أطلق لفظ الرّياء- شرعا- فالمراد الرّياء المذموم (وهو العبادة الّتي يراد بها غير وجه الله تعالى) ، وقد يطلق الرّياء على أمر مباح وهو طلب نحو الجاه والتّوقير بغير عبادة «٥» ، كأن يقصد بزينة لباسه الثّناء عليه بالنّظافة والجمال ونحو ذلك، ووجه عدم حرمة هذا النّوع أنّه ليس فيه ما في الرّياء المحرّم من التّلبيس بالدّين والاستهزاء بربّ العالمين.

وأقبح أنواع الرّياء ما تعلّق بأصل الإيمان وهو شأن المنافقين، يلي ذلك المراءاة بأصول العبادات الواجبة، كأن يعتاد تركها في الخلوة، ويفعلها في الملأ


(١) باختصار وتصرف عن إحياء علوم الدين ٣/ ٢٩٧- ٣٠٢.
(٢) انظر الكبيرة السابعة والثلاثين في كتاب الكبائر للذهبي ص ١٥٤ ١٥٧. ولم نذكر ما أورده الذهبي هنا لأنه لم يخرج عما ورد من الآيات والأحاديث والآثار المذكورة في هذه الصفة.
(٣) انظر الأحاديث (١١، ١٥، ١٦) .
(٤) الزواجر ٢/ ٤٤.
(٥) انظر رياء أهل الدنيا في الأقسام التي ذكرها الغزالي للرياء بحسب الشيء المراءى به.