للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن اتبعهم من صالحي المؤمنين، ومما يقرّب هذه المسألة إلى الأذهان أننا نجد تقوية الجسم إنما تكون بممارسة الرياضات التي تستلزم مجهودا شاقّا، فكذلك تنمية القوة النفسية تستلزم التدريب على تحمل المشاق والابتلاءات، وكذلك قطف ثمار الزرع لا يتم إلا بعد بذل مجهود الحرث والزرع والسقاية.

ولذا كان على الإنسان أن يفوض أمره إلى ربه، وألا يقنط وييأس من رحمة الله، قال تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ «١» ، والقنوط هو استبعاد الفرج واليأس منه، وهو يقابل الأمن من مكر الله، وكلا الأمرين ذنب عظيم، لما في القنوط من سوء الظن بالله، وسوء الظن مجلبة لغضب الله ولعنته، يقول الله تعالى: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً «٢» ، وهو أيضا من أكبر الكبائر، فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: إن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: «الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله» «٣» . وقد نهانا الله عز وجل عن القنوط مهما كان إسرافنا على أنفسنا، يقول سبحانه: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ* وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ* أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ «٤» .

٧- السكينة والطمأنينة:

- الخطوة السابعة: إذا تاب المسلم واستغفر ربه، وأقلع عن معصيته، ودعا الله بصالح أعماله، وتوكل على الله، وأخذ بالأسباب ولم ينكشف ما به، فعليه أن يعلم ويتيقن أن ذلك لحكمة اقتضاها المولى عز وجل لا يعرفها الآن، وكفاه في ذلك أن يعد في معية الله تعالى وأنه من أهل محبته «٥» ، ومن أظهر الأدلة على ذلك قصة الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام بأمر من ربه- عز وجل- كي يقي والديه من الطغيان والكفر «٦» ولا شك أن الابتلاء بفقد الولد أخف كثيرا من الابتلاء بالكفر والطغيان، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالي: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً «٧» :

أي يحملهما حبه على متابعته في الكفر، وقال قتادة: لو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض المرء بقضاء الله فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب «٨» . ومن ثم وجب عليه الرضا حتى ينجو بنفسه من سخط الله تعالى،


(١) الحجر/ ٥٦.
(٢) الفتح/ ٦.
(٣) ذكره الهيثمي في المجمع، وقال: رواه البزار والطبراني ورجاله موثقون (١/ ١٠٤) .
(٤) الزمر/ ٥٣- ٥٨.
(٥) انظر الخطوة الثالثة.
(٦) انظر هذه القصة القرآنية في سورة الكهف، الآيات (٧٤، ٧٥، ٨٠، ٨١) .
(٧) الكهف/ ٨٠.
(٨) انظر تفسير ابن كثير (٣/ ١٠٤) .