الأنبياء: وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (مريم/ ٥٠) ، والمراد باللّسان ههنا الثناء الحسن، فلمّا كان باللّسان وهو محلّه عبّر عنه به؛ لأنّ اللّسان يراد به ثلاثة معان: هذا، واللّغة كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ (إبراهيم/ ٤) ، وقوله- عزّ من قائل-: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ (الروم/ ٢٢) ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ (النحل/ ١٠٣) ، ويراد به الجارحة نفسها كقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
(القيامة/ ١٦) .
وأمّا قدم الصّدق ففسّر بالجنّة، وفسّر بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، وفسّر بالأعمال الصّالحة. وحقيقة القدم: ما قدّموه، ويقدمون عليه يوم القيامة، وهم قدّموا الأعمال والإيمان بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، ويقدمون على الجنّة؛ ومن فسّره بالأعمال وبالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلأنّهم قدّموها، وقدّموا الإيمان به بين أيديهم.
وأمّا مقعد الصّدق، فهو الجنّة عند ربّهم تبارك وتعالى.
ووصف ذلك كلّه بالصّدق مستلزم ثبوته واستقراره، وأنّه حقّ، وأنّه متّصل بالحقّ سبحانه، كان به وله.
فمدخل الصّدق ومخرج الصّدق أن يكون دخوله وخروجه حقّا ثابتا لله تعالى ومرضاته، متّصلا بالظّفر ببغيته، وحصول المطلوب، وهو ضدّ مخرج الكذب ومدخله الّذي لا غاية له يوصّل إليها. ولا له ساق ثابتة يقوم عليها؛ كمخرج أعدائه يوم بدر. ومخرج الصّدق كمخرجه هو وأصحابه في ذلك الغزو. وكذلك مدخله المدينة كان مدخل صدق بالله ولله وابتغاء مرضاة الله، فاتّصل به التّأييد، والظّفر، والنّصر، وإدراك ما طلبه في الدّنيا والآخرة؛ بخلاف مدخل الكذب الّذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب؛ فإنّه لم يكن بالله ولا لله بل محادّة لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يتّصل به إلّا الخذلان والبوار.
وكذلك مدخل من دخل من اليهود والمحاربين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصن بني قريظة؛ فإنّه لمّا كان مدخل كذب أصابهم منه ما أصابهم. وكلّ مدخل ومخرج كان بالله ولله وصاحبه ضامن على الله، فهو مدخل صدق ومخرج صدق، ولذلك فسّر مدخل الصّدق ومخرجه بخروجه من مكّة، ودخوله المدينة. ولا ريب أنّ هذا على سبيل التّمثيل؛ فإنّ هذا المدخل والمخرج من أجلّ مداخله ومخارجه صلّى الله عليه وسلّم؛ وإلّا فمداخله ومخارجه كلّها مداخل صدق ومخارج صدق إذ هي بالله، ولله، وبأمره، ولابتغاء مرضاته. وما خرج أحد من بيته أو دخل سوقا أو مدخلا آخر إلّا بصدق أو كذب.
فمدخل كلّ أحد ومخرجه لا يعدو الصّدق والكذب.
فهو صدق غير كذب، وحقّ غير باطل، ودائم غير زائل، ونافع غير ضارّ، وما للباطل ومتعلّقاته إليه سبيل ولا مدخل.
[علامة الصدق:]
من علامات الصّدق طمأنينة القلب إليه، ومن علامات الكذب حصول الرّيبة؛ كما في التّرمذيّ مرفوعا:«الصّدق طمأنينة، والكذب ريبة» ، وفي الصّحيحين: «إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ