للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي الدُّنْيا حَسَنَةً* «١» ، فهؤلاء حيوا بها حياة طيبة كما قال تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً «٢» ، وفريق يتناولها لا على الوجه الذي جعلها الله لهم، فركنوا إليها فصار ذلك لهم نقمة وشقاوة فتعذبوا بها عاجلا وآجلا، وهم الموصوفون بقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ «٣» ، «٤» .

فالأخلاق في الإسلام- إذا- تعتمد على أهداف العقيدة الإسلامية باعتبار أن العقيدة الإيمانية معيار توزن عليه الأعمال والأقوال وكافة التصرفات، لحفظ كرامة الإنسان وصيانته، وتحقيق سعادته في حياته الدنيا، والأخرى، وعلى هذا فمردود الالتزام الخلقي ليس دنيويا فحسب وإنما أخروي أيضا.

[المقدمة الثانية: الأخلاق الإسلامية ومبدأ التكليف:]

الإنسان كائن مكلف، ولهذا شواهده من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وعلى هذا يمكن فهم الإنسان وفهم هدف حياته، فهو مبتلى بتبعة التكليف، ولذا فهو مسئول عن اختياراته وبناء حياته، قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ «٥» .

يقول أبو حيان في تفسير هذه الآية الكريمة: بيّن الله أن ما كلفه الإنسان أمر عظيم فقال: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ تعظيما لأمر التكليف، والظاهر أن الأمانة هي كل ما يؤتمن عليه من أمر ونهي، وشأن دين ودنيا، والشرع كله أمانة، وهذا قول الجمهور، والظاهر عرض الأمانة على هذه المخلوقات العظام- وهي الأوامر والنواهي- فتثاب أن أحسنت، وتعاقب إن أساءت، فأبت وأشفقت، ... وحملها الإنسان على ضعفه ورخاوة قوته «٦» .

والأمر كذلك، فإن الإنسان لا بد أن يكون قادرا على الفعل والترك، أي الاختيار لكي تصبح منه الطاعة بفعل المأمورية، إذ أنه يكون عاصيا بتركه، ويلزم أن يكون الإنسان عالما بالأفعال التي كلف بها، إتيانا أو تركا «٧» .

ويقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ ... «قال علي بن أبى طلحة عن ابن عباس: الأمانة: الفرائض عرضها الله على السموات والأرض والجبال إن أدوها أثابهم، وإن ضيعوها عذبهم فكرهوا ذلك وأشفقوا منه من غير معصية، ولكن تعظيما لدين الله أن لا يقوموا بها ثم عرضها على آدم


(١) النحل: ٤١.
(٢) النحل: ٩٧.
(٣) التوبة: ٥٥.
(٤) الراغب الأصفهاني: كتاب تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، بيروت، دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر، ١٩٨٣، ص ٦٥، ٦٦.
(٥) الأحزاب: ٧٢.
(٦) البحر المحيط ٧/ ٢٤٣ (بتصرف يسير) ، وانظر صفة الأمانة ج ٣ ص ٥١٠.
(٧) راجع: عبد القاهر البغدادى، كتاب أصول الدين، ط ٣، بيروت. دار الكتب العلمية، ١٤٠١ هـ/ ١٩٨١ م ص ٢١٠- ٢١٣.