للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمعنى آخر الحفاظ على المقومات الأساسية لحياة الإنسان، ولأن الله خالقها وحده جل علاه، جعلها حرمات لا يجوز لأحد الاقتراب منها إلا بحقها فإذا ما تجاوز أحد ذلك كان الحد.

وفي هذا المجال يشير دراز إلى حقيقة مهمة، وهي أن الجرائم التي تقع تحت طائلة القانون هي تلك الرذيلة التي تتفشى، وتعرض نفسها، وتتحدى، أما حالة الإنسان الذي يستتر، وترتعد فرائصه حين يخضع لأهوائه، وهو الواقع الذي لا ينكشف لنا، لا بذاته، ولا بواسطة صاحبه، فإنه سيكون من اختصاص محاكمة الله تعالى له. وهذا ما يشير إليه الحديث الشريف حين يقول: «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا..... فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه» «١» .

وفي نص آخر يشير إلى استهجان النبي صلّى الله عليه وسلّم فعل بعض الناس. ممن يقعون في الحرام خفية ثم يثرثرون بما فعلوا: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين. وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه. فيقول: عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» «٢» .

٢- التعزيرات: وهي عقوبات تأديبية يفرضها القاضي على جناية أو معصية لا حد فيها. ويتعلق بالتعزير حقان: حق الله وحق العباد، وما كان حق العباد فيه غالبا فيجوز قبول العفو فيه، وما كان حق الله فيه أغلب فبرغم عفو المتضرر فإن التعزير واجب.

وهنا تتنوع العقوبة الموقعة على المجرم من تأنيب، إلى تعنيف أمام العامة إلى السجن، إلى الجلد، ومن حق القاضي أن يتغاضى عن بعض الأخطاء القليلة حين تقع من إنسان ذي خلق.

وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود» «٣» .

٣- الجزاء الإلهي:

إذا كان النوعان السالفان من الجزاء ينتميان إلى مجال الواقع الدنيوي، فإن الجزاء الإلهي له طبيعته وامتداداته، ولعل هذا يرتبط أساسا بنظام التوجيه الإسلامي في القرآن والسنة، ولهذا بحثه الخاص، إلا أنه يمكن القول أن القرآن حدد الجزاء الإلهي في ناحيتين.


(١) صحيح البخاري (ط. البغا) - ج ٦، حديث رقم ٦٤٠٢، كتاب الحدود، باب ٨.
(٢) المرجع السابق، ج ٥ حديث رقم ٥٧٢١، كتاب الأدب باب ٦٠ وراجع دستور الأخلاق في القرآن ٢٧٠، ٢٧٢.
(٣) سنن أبي داود، حديث رقم ٤٣٧٥.