للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرّك منها متحرّك، ولا يتصرّف متصرّف إلّا بحوله وقوّته وإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوّة إلّا به «١» .

[العزة في القرآن الكريم:]

قال ابن الجوزيّ: قال بعض المفسّرين: العزّة في القرآن على ثلاثة أوجه:

أحدها: العظمة، ومنه قوله تعالى: وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (الشعراء/ ٤٤) ، قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (ص/ ٨٢) .

والثّاني: المنعة، ومنه قوله تعالى: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (النساء/ ٣٩) .

والثّالث: الحميّة، ومنه قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ (البقرة/ ٢٠٦) ، وقوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (ص/ ٢) «٢» .

[العزة الممدوحة والمذمومة:]

يمدح بالعزّة تارة ويذمّ بها تارة أخرى، ووجه ذلك أنّ العزّة الّتي لله ولرسوله وللمؤمنين هي الدّائمة الباقية؛ لأنّها هي العزّة الحقيقيّة، والعزّة الّتي هي للكافرين هي التّعزّز وهو في الحقيقة ذلّ، كما قال عليه الصّلاة والسّلام «كلّ عزّ ليس بالله فهو ذلّ» وعلى هذا قوله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (مريم/ ٨١) أي ليتمنّعوا بهم من العذاب «٢» .

كيف تكون العزة لله جميعا ثم تكون لرسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين؟

تساءل الشّيخ الشّرباصي عن هذا الإشكال فقال: قد يعترض معترض فيقول: كيف نجمع بين قول الحقّ سبحانه: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ... ، (فاطر/ ١٠) وقوله- عزّ من قائل: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (المنافقون/ ٨) ، والجواب: أنّه لا تنافي بين الآيتين؛ لأنّ العزّ الّذي هو للرّسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين هو في الحقيقة ملك لله ومخلوق له، وعزّه سبحانه هو المصدر لكلّ عزّ، ومن ثمّ يكون عزّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين مستمدّ من عزّ الله- عزّ وجلّ-. وعلى هذا فالعزّ كلّه لله، والعزّة الّتي عند الإنسان لا تكون فضيلة محمودة إلّا إذا استظلّت بظلّ الله، واحتمت بحماه، أمّا عزّة الكفّار المشار إليها في الآية الكريمة بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (ص/ ٢) فهي تعزّز، وهو في الحققة ذلّ؛ لأنّه تشبّع من الإنسان بما لم يعطه، وقد تستعار العزّة للأنفة والحميّة المذمومة، كما في قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ (البقرة/ ٢٠٦) وكلّ ذلك ليس من العزّ الحقيقيّ في شيء «٣» .

[للاستزادة: انظر صفات: الرجولة- الشرف- القوة- النبل- النزاهة- العفة- الشهامة- علو الهمة- قوة الإرادة.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الذل- الضعف- الوهن- صغر الهمة- الخنوثة] .


(١) نزهة الأعين النواظر (٤٣٤- ٤٣٥) .
(٢) المفردات للراغب (٣٣٣) ، وانظر أيضا الكليات للكفوي (٣٣٦) .
(٣) موسوعة له الأسماء الحسنى (٧٢) .