نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهليّة، وهذا لأنّه إذا لم يعرف الجاهليّة والشّرك، وما عابه القرآن وذمّه وقع فيه وأقرّه، ودعا إليه وصوّبه وحسّنه. وهو لا يعرف أنّه هو الّذي كان عليه أهل الجاهليّة، أو نظيره. أو شرّ منه، أو دونه. فينقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه. ويعود المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والبدعة سنّة، والسّنّة بدعة، ويكفر الرّجل بمحض الإيمان وتجريد التّوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حيّ يرى ذلك عيانا، والله المستعان.
ويدخل تحت هذا النّوع (الشّرك الأكبر) السّجود لغير الله، والرّكوع، والنّذر، والخوف، والتّوكّل على غيره، والعمل لغيره، والإنابة، والخضوع، والذّلّ لغير الله، وابتغاء الرّزق من عند غيره، واعتقاد أن يكون في الكون ما لا يشاؤه، وطلب الحوائج الّتي لا يقدر عليها إلّا هو من غيره، والاستغاثة بهم. وما نجا من شرك هذا الشّرك الأكبر إلّا من جرّد توحيده لله، وعادى المشركين في الله، وتقرّب بمقتهم إلى الله، واتّخذ الله وحده وليّه وإلهه ومعبوده فجرّد حبّه لله، وخوفه لله، ورجاءه لله، وذلّه لله، وتوكّله على الله، واستعانته بالله، والتجاءه إلى الله، واستغاثته بالله. وأخلص قصده لله متّبعا لأمره، متطلّبا لمرضاته. إذا سأل سأل الله، وإذا استعان استعان بالله، وإذا عمل لله فهو لله، وبالله، ومع الله.
والشّرك أنواع كثيرة. لا يحصيها إلّا الله. ولو ذهبنا نذكر أنواعه لاتّسع الكلام أعظم اتّساع.
وأمّا الشّرك الأصغر: فكيسير الرّياء، والتّصنّع للخلق، والحلف بغير الله، كما ثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:«من حلف بغير الله فقد أشرك» ، وقول الرّجل للرّجل ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، ومالي إلّا الله وأنت، وأنا متوكّل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا» ، وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب قائله ومقصده. وصحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال لرجل قال له:«ما شاء الله وشئت» : «أجعلتني لله ندّا؟ قل:
ما شاء الله وحده» . وهذا اللّفظ أخفّ من غيره من الألفاظ «١» .
[من مظاهر الشرك:]
للشّرك سواء أكان من المشركين أهل الجاهليّة الأولى، أو ممّن ينتسبون إلى أهل الكتاب من اليهود أو النّصارى، أو المبتدعة ممّن ينتسبون إلى الإسلام- وهو منهم ومن شركهم براء- صور عديدة كشف عنها علماء الإسلام محذّرين النّاس منها، خاصّة أنّ بعض هذه المظاهر قد شاعت في بعض البلدان الإسلاميّة، نذكر من ذلك:
١- الاستغاثة والتّوسّل بغير الله تعالى:
قال الإمام ابن تيميّة: من أعظم أنواع الشّرك دعاء الملائكة والأنبياء والصّالحين بعد موتهم، وعند