للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبورهم، وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم والاستغاثة بهم، وطلب الشّفاعة منهم، وهو من الدّين الّذي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولا، ولا أنزل به كتابا، وليس هو واجبا ولا مستحبّا باتّفاق علماء المسلمين، ولا فعله أحد من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمّة المسلمين، وإن كان ذلك ممّا يفعله كثير من النّاس ممّن له عبادة وزهد، ويذكرون فيه حكايات ومنامات، فهذا كلّه من الشّيطان، وفيهم من ينظم القصائد في دعاء الميّت والاستشفاع به، والاستغاثة، أو يذكر ذلك في ضمن مديح الأنبياء والصّالحين، فهذا كلّه ليس بمشروع، ولا واجب، ولا مستحبّ باتّفاق أئمّة الدّين، فإنّ الله لا يعبد إلّا بما هو واجب أو مستحبّ.

ولم يكن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للنّاس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصّالحين ويستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم ولا في مغيبهم.

وكلّ بدعة ليست واجبة ولا مستحبّة فهي بدعة سيّئة وهي ضلالة باتّفاق المسلمين، فلا يتقرّب بها إلى الله. ومن تقرّب إلى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر إيجاب ولا استحباب فهو ضالّ متّبع للشّيطان، وسبيله من سبيل الشّيطان، كما قال عبد الله ابن مسعود: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا، وخطّ خطوطا عن يمينه وشماله ثمّ قال: «هذا سبيل الله، وهذه سبل، على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه» ثمّ قرأ: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ ١٥٣) «١» .

إنّ الشّفاعة الّتي أثبتها الله ورسوله؛ هي الشّفاعة الصّادرة عن إذنه لمن وحّده، والّتي نفاها الله عزّ وجلّ هي الشّفاعة الشّركيّة، الّتي في قلوب الّذين اتّخذوا من دون الله شفعاء، وقد جعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تجريد التّوحيد أعظم الأسباب الّتي تنال بها شفاعته يوم القيامة، ومن الجهل البيّن اعتقاد أصحاب الشّفاعة الشّركيّة أنّ هذه الشّفاعة تنفعهم عند الله كما يكون خواصّ الملوك والولاة تنفع شفاعتهم من والاهم، ولم يعلم هؤلاء أنّ الله لا يشفع عنده أحد إلّا بإذنه، ولا يأذن في الشّفاعة إلّا من رضي قوله وعمله، ثمّ إنّ هناك أصلا ثالثا هو أنّه لا يرضى من القول والعمل إلّا التّوحيد واتّباع الرّسل، فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشّرك ممّن وعاها وعقلها:

١- لا شفاعة إلّا بإذنه.

٢- لا يأذن إلّا من رضي قوله وعمله.

٣- لا يرضى من القول والعمل إلّا التّوحيد واتّباع المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، فالله- عزّ وجلّ- لا يغفر شرك العادلين به غيره في العبادة والموالاة والمحبّة، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (البقرة/ ١٦٥) . إنّك ترى الواحد من هؤلاء يكذّب حاله وعمله قوله فإنّه يقول: لا يحبّهم كحبّ الله، ولا نسوّيهم بالله، ثمّ يغضب لهم


(١) مجموع الفتاوى ١/ ١٥٩، وما بعدها (بإيجاز وتصرف) ، وانظر أيضا قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص ٢٠ وما بعدها.