للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١- الجزاء الإلهي في العاجلة: أي في الدنيا.

وهذا الجزاء الإلهي في الدنيا له عدة جوانب:

الجانب المادي: ويعني أن من يقوم بفعل الأوامر يلتزم بقواعد السلوك الخلقي يحصل على نصيب من ثوابها في الدنيا، وكذا من يتجنب فعل الفضيلة ويأتي مضادها فإن الله يصب سخطه عليه في غضبه على هذا السلوك المنحرف. وفي القرآن أمثلة تؤكد ذلك:

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ «١» .

وفي سورة سبأ وبعد عرض قصتهم يقول الله عز وجل: فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ «٢» .

وهكذا في قصة صاحب الجنتين، وفي قصة أصحاب الجنة، وفي قصص الأمم الأوائل الذين كذبوا الرسل، كل ذلك يدلنا على أن غير الملتزمين، والمتمردين يدفعون ويجازون من حياتهم، أما حالات الإفساد العام أو انتشار الفساد الأخلاقي العام فإن الله سبحانه يقابلها بتدمير الشعب كله وإهلاكه، وينجي الله المتقين الصالحين المحسنين الطائعين.

وهكذا: وباستقراء آيات القرآن نجد أنه يثير اهتمامنا وانتباهنا وانتباه البشر جميعا إلى أن الأمن والترف ما كان ليعصم الناس من الجزاء الإلهي إذا انتشر الفساد.

وهناك حالات يحتوي الجزاء فيها على حالات مادية، أو عناصر مادية: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ «٣» ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ «٤» . وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ «٥» .

- تأييد الله لجماعة المؤمنين:

وهذا التأييد والنصر من الله سبحانه لجماعة المؤمنين الملتزمين بالقانون الخلقي، وهذا التأييد يشمل النصر والمساعدة والتثبيت، أما خصوم المؤمنين فهم مسوقون إلى الهزيمة والعذاب، وموعودون بالذل، ومشمولون بالخزي.

وفي نص واحد يبين الحق تبارك وتعالى هذا الجزاء الدنيوي في قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ


(١) النحل: ١١٢.
(٢) سبأ: ١٦، ١٧.
(٣) الطلاق: ٢، ٣.
(٤) الزمر: ١٠.
(٥) النحل: ٤١.