للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أغمّض عيني عن صديقي كأنّني ... لديه بما يأتي من القبح جاهل

وما بي جهل غير أنّ خليقتي ... تطيق احتمال الكره فيما أحاول

متى ما يربني مفصل فقطعته ... بقيت ومالي في نهوضي مفاصل

ولكن أداريه، وإن صحّ شدّني ... فإن هو أعيا كان فيه تحامل «١»

[مداراة الأعداء واجب للحذر من شرهم:]

قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: إذا كان للإنسان عدوّ وقد استحكمت شحناؤه، واستوعرت سرّاؤه، واستخشنت ضرّاؤه، فهو يتربّص بدوائر السّوء انتهاز فرصة ويتجرّع بمهانة العجز مرارة غصّة، فإذا ظفر بنائبة ساعدها، وإذا شاهد نعمة عاندها، فالبعد عن هذا حذرا أسلم، والكفّ عنه متاركة أغنم، لأنّه لا يسلم من عواقب شرّه، ولا يفلت من غوائل مكره إلّا بالبعد عنه أو مداراته. وقد قال لقمان لابنه: يا بنيّ، كذب من قال إنّ الشّرّ بالشّرّ يطفأ، فإن كان صادقا فليوقد نارين، ولينظر هل تطفىء إحداهما الأخرى، وإنّما يطفىء الخير الشّرّ كما يطفىء الماء النّار.

وأمّا إذا كان هذا العدوّ لئيم الطّبع خبيث الأصل فمثل هذا لا يستقبح الشّرّ، ولا يكفّ عن المكروه فهذا حاله أطمّ وضرره أعمّ ولا سلامة من مثله إلّا بالبعد عنه والانقباض، ولا خلاص منه إلّا بالصّفح والإعراض لأنّه كالسّبع الضّاري في سوارح الغنم وكالنّار بطبع لا يزول، وجوهر لا يتغيّر «٢» .

[الفرق بين المداراة والمداهنة:]

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: المداراة صفة مدح، والمداهنة صفة ذمّ، والفرق بينهما أنّ المداري يتلطّف بصاحبه حتّى يستخرج منه الحقّ أو يردّه عن الباطل، والمداهن يتلطّف به ليقرّه على باطله ويتركه على هواه. فالمداراة لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النّفاق.

وقد ضرب مثل لذلك مطابق، وهو حال رجل به قرحة قد آلمته فجاءه الطّبيب المداوي الرّفيق، فتعرّف حالها ثمّ أخذ في تليينها، حتّى إذا نضجت أخذ في بطّها برفق وسهولة، حتّى إذا أخرج ما فيها وضع على مكانها من الدّواء والمرهم ما يمنع فسادها، ثمّ تابع عليها بالمراهم الّتي تنبت اللّحم، ثمّ يذرّ عليها بعد نبات اللّحم ما ينشّف رطوبتها، ثمّ يشدّ عليها الرّباط، ثمّ لم يزل يتابع ذلك حتّى صلحت، أمّا المداهن فقال لصاحبها لا بأس عليك منها وهذه لا شيء فاسترها عن العيون بخرقة ثمّ اله عنها، فلا تزال مدّتها تقوى وتستحكم حتّى عظم فسادها «٣» .

[للاستزادة: انظر صفات: التودد- الحكمة- الشفقة- حسن الخلق- الحلم- حسن المعاملة- الستر.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: البذاءة- الفحش- الفضح- المجاهرة بالمعصية- الطيش- الحمق- الإساءة- سوء الخلق- سوء المعاملة- النفاق] .


(١) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي (٧٠- ٧٣) بتصرف واختصار.
(٢) أدب الدنيا والدين (٢٢٣- ٢٢٤) بتصرف يسير.
(٣) الروح لابن القيم ص ٢٠٨