للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٢- الزهد في الدنيا والتقلل منها:

ولم يكن هذا الزهد عن ضعف، فقد سيقت له الدنيا بحذافيرها، وترادفت عليه فتوحها، إلا أنه صلّى الله عليه وسلّم رغب عنها وكان يقول: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» «١» . والآثار في ذلك وافرة.

ومن ذلك ما يرويه ابن مسعود أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نام على حصير، فقام وقد أثر في جسده، فقال ابن مسعود: يا رسول الله لو أمرتنا أن نبسط لك ونعمل، فقال «مالي وللدنيا، وما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» «٢» .

وعن أنس: «أنه مشى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي صلّى الله عليه وسلّم درعا بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيرا لأهله، ولقد سمعته يقول: ما أمسي عند آل محمد صاع برّ ولا صاع حبّ، وأن عنده لتسع نسوة» «٣» . وهذا الزهد لم يكن زهد الحرمان والقهر وترك الأسباب، وإنما هو القدرة والقدرة واليسر والأخذ بالأسباب، وهو عدم تعلق همة القلب بمتع الحياة الدنيا وزخارفها وزينتها، وهذا الزهد النبوي، لم يكن يعني أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يزهد بأن يدخل عليه المال الوفير، وإنما كان يعني زهده في ادخاره لنفسه وحرصه عليه، فهو الذي يقول: «لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني أن لا يمر على ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين» «٤» .

١٣- الخوف من الله وطاعته وعبادته:

وقد كان صلّى الله عليه وسلّم أخوف الناس من الله، وكان يصلي ويداوم العبادة، ويصوم، ويقرأ القرآن، ويستغفر ربه، ويدعوه، والآثار في ذلك وافرة.

هذه هي صفات القدوة كما تمثلت في النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبهذه الصفات الجامعة استطاع صلّى الله عليه وسلّم أن يغرس القيم الإسلامية في نفوس أصحابه، ويرعاها نامية قوية وقد أدرك صلّى الله عليه وسلّم أنه ليس هناك أخطر على القيم ونموها مثل الانفصال بين الداعي والمدعوين، بين المعلم والمتعلمين، بين الدعوة والتنفيذ، بين القول والعمل، خاصة أن هذا ما نعاه الله على بني إسرائيل في القرآن:

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ «٥» .


(١) حديث صحيح، أخرجه مسلم، انظر البغوي، مصابيح السنة، مرجع سابق، ج ٣، ص ٤١٧، حديث رقم ٤٠٠٦.
(٢) حديث صحيح، انظر: محمد نصر الدين الألباني، صحيح سنن ابن ماجه، المجلد الثاني، الطبعة الأولي، بيروت، المكتب الإسلامي، ١٤٠٧ هـ/ ١٩٨٦ م، ص ٣٩٤، حديث رقم ٣٣١٧.
(٣) حديث صحيح، أخرجه البخاري، انظر مصابيح السنة، مرجع سابق، ج ٣، ص ٤٣١، حديث رقم ٤٠٤٨.
(٤) حديث صحيح، متفق عليه، انظر المرجع السابق ج ٢، ص ٢٣٨، حديث رقم ١٣١٤.
(٥) سورة البقرة: ٤٤ وانظر: محمد صابر قميحة، مرجع سابق، ص ١١٩. وراجع صفة: الزهد والقناعة من صفات الموسوعة.