للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٥- أن تكون المناظرة (الحوار) في الخلوة أحبّ إليه وأهمّ من المحافل وبين أظهر الأكابر والسّلاطين، لأنّ في حضور الجمع ما يحرّك دواعي الرّياء ويوجب الحرص على أن ينصر كلّ واحد نفسه محقّا كان أو مبطلا.

٦- أن يكون الحوار في طلب الحقّ، وذلك كناشد ضالّة لا يفرّق بين أن تظهر الضّالّة على يديه أو على يد من يعاونه.

٧- أن يرى محاوره معينا له لا خصما وأن يشكره إذا عرّفه الخطأ وأظهر له الحقّ.

٨- ألّا يمنع مناظره أو محاوره من الانتقال من حجّة إلى حجّة ومن دليل إلى دليل، ومن تفحّص مشاورات الصّحابة- رضوان الله عليهم- ومفاوضات السّلف، وجدها من هذا الجنس إذ كانوا يذكرون كلّ ما يخطر لهم وينظرون فيه.

٩- ألّا يناظر أو يحاور إلّا من يتوقّع الاستفادة منه ممّن هو مشتغل بالعلم «١» .

[الأدب مع النفس:]

قال الماورديّ رحمه الله: اعلم أنّ النّفس مجبولة على شيم مهملة وأخلاق مرسلة لا يستغني محمودها عن التّأديب، ولا يكتفى بالمرضيّ منها عن التّهذيب، لأنّ لمحمودها أضدادا مقابلة، يساعدها هوى مطاع، وشهوة غالبة، فإن أغفل تأديبها تفويضا إلى العقل أو توكّلا على أن تنقاد إلى الأحسن بالطّبع، أعدمه التّفويض درك المجتهدين، وأعقبه التّوكّل ندم الخائبين، فصار من الأدب عاطلا، لأنّ الأدب مكتسب بالتّجربة، أو مستحسن بالعادة ولكلّ قوم مواضعة، وكلّ ذلك لا ينال بتوقيف العقل، ولا بالانقياد للطّبع حتّى يكتسب بالتّجربة والمعاناة، ويستفاد بالدّربة والمعاطاة، ثمّ يكون العقل عليه قيّما، ولو كان العقل مغنيا عن الأدب لكان أنبياء الله عن الأدب مستغنين، وبعقولهم مكتفين «٢» .

[الأدب اللازم للإنسان:]

الأدب اللّازم للإنسان عند نشأته وكبره أدبان:

أدب مواضعة واصطلاح، وأدب رياضة واستصلاح.

[أدب المواضعة والاصطلاح:]

فأمّا أدب المواضعة والاصطلاح، فيؤخذ تقليدا على ما استقرّ عليه اصطلاح العقلاء، واتّفق عليه استحسان الأدباء، وذلك مثل اصطلاحهم على مواضعات الخطاب، واتفاقهم على هيئات اللّباس، حتّى إنّ الإنسان إذا تجاوز ما اتّفقوا عليه صار مجاوزا للأدب، مستوجبا للذّمّ.

[أدب الرياضة والاستصلاح:]

أمّا أدب الرّياضة والاستصلاح: فهو ما كان محمولا على حال لا يجوز في العقل أن يكون بخلافها، ولا أن تختلف العقلاء في صلاحها وفسادها، وأوّل ذلك ألّا يسبق المرء إلى حسن الظّنّ بنفسه فيخفي عنه مذموم شيمه، ومساوي أخلاقه؛ لأنّ النّفس بالشّهوات آمرة، وعن الرّشد زاجرة، وإذا كانت النّفس


(١) بتصرف واختصار من ((إحياء علوم الدين)) (١/ ٤٤) وما بعدها.
(٢) أدب الدنيا والدين للماوردي (٢٢٦) .