للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي، فهو يسمع السّرّ والنّجوى، بل ما هو أدقّ من ذلك وأخفى. ويدرك دبيب النّملة السّوداء على الصّخرة الصّمّاء في اللّيلة الظّلماء، يسمع حمد الحامدين فيجازيهم، ودعاء الدّاعين فيستجيب لهم، ويسمع بغير أصمخة وآذان، كما يفعل بغير جارحة ويتكلّم بغير لسان، وسمعه منزّه عن أن يتطرّق إليه الحدثان ... والسّمع في حقّه تعالى عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات «١» .

وقال ابن منظور: والسّميع من صفاته- عزّ وجلّ- وأسمائه، لا يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي، فهو يسمع بغير جارحة، وفعيل: من أبنية المبالغة وفي التّنزيل: وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (النساء/ ١٤٣) ، وهو الّذي وسع سمعه كلّ شيء كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها (المجادلة/ ١) ، وقال في موضع آخر: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى. (الزخرف/ ٨٠) ، قال الأزهريّ والعجب من قوم فسّروا السّميع بمعنى المسمع فرارا من وصف الله بأنّ له سمعا، وقد ذكر الله الفعل في غير موضع من كتابه فهو سميع ذو سمع بلا تكييف ولا تشبيه بالسّمع من خلقه، ولا سمعه كسمع خلقه، ونحن نصف الله بما وصف به نفسه بلا تحديد ولا تكييف قال: ولست أنكر في كلام العرب أن يكون السّميع سامعا، ويكون مسمعا، والظّاهر الأكثر من كلام العرب أن يكون السّميع بمعنى السّامع، مثل عليم وعالم، وقدير وقادر، ومناد سميع: مسمع كخبير ومخبر، وأذن سمعة وسمعة وسمعة وسميعة وسامعة وسمّاعة ومسموعة «٢» .

[سمع الإنسان:]

قال الغزاليّ- رحمه الله-: للعبد من حيث الحسّ حظّ في السّمع، لكنّه قاصر، لأنّه لا يدرك جميع المسموعات، بل ما قرب من الأصوات، ثمّ إنّ إدراكه بجارحة وأداة معرّضة للآفات، فإن خفي الصّوت قصّر (سمع البشر) عن الإدراك، وإن بعد لم يدرك، وإن عظم الصّوت ربّما بطل السّمع واضمحلّ، وإنّما حظّه الدّينيّ أمران:

أحدهما: أن يعلم أنّ الله- عزّ وجلّ- سميع، فيحفظ لسانه.

الثّاني: أن يعلم أنّه لم يخلق له السّمع إلّا ليسمع كلام الله وحديث رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيستفيد به الهداية إلى طريق الله- عزّ وجلّ- «٣»

[السمع والسماع فى القرآن الكريم:]

السّمع قوّة في الأذن بها تدرك الأصوات، ويعبّر تارة بالسّمع عن الأذن نحو: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ (البقرة/ ٧» ) وتارة عن فعله كالسّماع نحو: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ وتارة عن الفهم، وتارة عن الطّاعة، تقول: اسمع ما أقول لك


(١) المقصد الأسنى (٩٠) .
(٢) لسان العرب «س م ع» (٨/ ١٦٤) . والنهاية لابن الأثير (٢/ ٤٠١) .
(٣) المقصد الأسنى (٩١) .