للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم تسمع ما قلت: أي لم تفهم.

وقوله: سَمِعْنا وَعَصَيْنا* (البقرة/ ٩٣، والنساء/ ٤٦) أي فهمنا ولم نأتمر لك. وقوله: سَمِعْنا وَأَطَعْنا* (البقرة/ ٢٨٥، والنساء/ ٤٦) أي فهمنا وارتسمنا، وقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (الأنفال/ ٢١) يجوز أن يكون معناه:

فهمنا وهم لا يعملون بموجبه، وإذا لم يعمل بموجبه، فهو في حكم من لم يسمع، قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ (الأنفال/ ٢٣) أي أفهمهم بأن جعل لهم قوّة يفهمون بها. وقوله وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ (النساء/ ٤٦) ، فغير مسمع يقال على وجهين:

أحدهما: دعاء على الإنسان بالصّمم، والثّاني: أن يقال:

أسمعت فلانا إذا سببته، وذلك متعارف في السّبّ، وروي أنّ أهل الكتاب كانوا يقولون ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوهمون أنّهم يعظّمونه ويدعون له، وهم يدعون عليه بذلك وكلّ موضع أثبت فيه السّمع للمؤمنين أو نفي عن الكافرين أو حثّ على تحرّيه، فالقصد به إلى تصوّر المعنى والتّفكّر فيه. وأمّا قوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى (النمل/ ٨٠) أي إنّك لا تفهمهم لكونهم كالموتى في افتقادهم- لسوء فعلهم- القوّة العاقلة الّتي هي الحياة المختصّة بالإنسانيّة، وقوله: قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ

(الكهف/ ٢٦) أي يقوله فيه تعالى: من وقف على عجائب حكمته، ولا يقال فيه: ما أبصره وما أسمعه لما تقدّم ذكره، وأنّ الله تعالى لا يوصف إلّا بما ورد به السّمع، وقوله في صفة الكفّار أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا (مريم/ ٣٨) معناه: أنّهم يسمعون ويبصرون في ذلك اليوم ما خفي عنهم وضلّوا عنه اليوم، لظلمهم أنفسهم وتركهم النظر، وقوله: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ (المائدة/ ٤١) أى يسمعون منك لأجل أن يكذبوا، سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ (المائدة/ ٤١) أي يسمعون لمكانهم، والاستماع: الإصغاء، وقوله: أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ (يونس/ ٣١) أي من الموجد لأسماعهم وأبصارهم والمتولّي بحفظها، والمسمع والمسمع: خرق الأذن، وفي دعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا تغلّطه المسائل، ويا من لا يبرمه إلحاح الملحّين ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك، وروح قربك.

وقد ورد السّمع في التّنزيل على وجوه:

الأوّل: بمعنى الإفهام: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى (النمل/ ٨٠) أي لا تفهمهم.

الثّاني: بمعنى إجابة الدّعاء إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (آل عمران/ ٣٨) .

الثّالث: بمعنى فهم القلب: أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ ٣٧) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (الشعراء/ ٢١٢) أي سمع الفؤاد سَمِعْنا وَأَطَعْنا (النساء/ ٤٦) أي سمعنا بقلوبنا وأطعنا بجوارحنا.

الرّابع: بمعنى سماع جارحة الأذن: سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (الفرقان/ ١٢) نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ (الجن/ ٩) سَمِعْنا وَعَصَيْنا (النساء ٤٦) أي سمعنا بالآذان، وعصينا بالجنان.