للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السنن التّركية حكمها حكم السنن الفعلية:

إذا فعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حكما أو ترك حكما فهو عبادة في حقّنا إلّا أن يقوم الدّليل على اختصاصه صلّى الله عليه وسلّم بذلك الحكم، وكذلك ترك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لحكم، إذ إنّ التّرك وسيلة لبيان الأحكام كالفعل، فكما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يبيّن الأحكام بفعله المجرّد من القول، أو بالفعل الّذي يساعده القول، كذلك كان يبيّن الأحكام بالتّرك المجرّد من القول، أو بالتّرك الّذي يساعده القول «١» .

خلاصة الأمر في هذا، أنّ المسلم واجب عليه أن يتّبع منهج الله وشريعته، كما وردت في القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة المطهّرة؛ لأنّ كمال الإنسان وترقّيه لا يكون إلّا عبر منهاج العبادة الّذي ورد في هذين المصدرين، والّذي يعني إسلام النّفس في كلّ ما تفعل وتذر لما يريده الله ويرضاه عبر الالتزام الكلّي بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه.

وإذا كان الاتّباع كما سبق هو اتّباع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء عنه وعن أصحابه، فما جاء عنه أمران: القرآن بوصفه وحيا من الله تعالى إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والسّنّة النّبويّة المطهّرة.

وكلّ ما جاء بالقرآن ملزم الاتّباع، حيث إنّه يحتوي على المنهج الكامل لحياة المجتمع الإسلاميّ، وبالتّالي فهو يشمل كلّ ما يحتاجه هذا المجتمع، وما يحتاجه الإنسان في حياته، من عقائد وأخلاق، وأحكام عمليّة تتّصل بالعبادات والمعاملات الّتي تنظّم علاقة الإنسان بأمثاله وبالمجتمع وبالأمم والعالم.

أمّا السّنّة النّبويّة فقد جاءت مكمّلة للقرآن، وأوجب الله على النّاس طاعة الرّسول في قبول ما شرعه لهم وامتثال ما يأمرهم به، وينهاهم عنه. إذن واجب للرّسول صلّى الله عليه وسلّم على الأمّة أمران؛ الأوّل: الطّاعة فيما أتى به. والثّاني: أن يبلّغوا عنه ما أخبرهم به.

والسّنّة أقوال وأفعال وتقريرات، وكلّ الأقوال والتّقريرات من الدّين، وحجّة على المسلم أن يتّبعها، والأفعال منها:

ما يتّصل ببيان الشّريعة وهذا واجب الاتّباع (كصلاته، وصومه، وحجّه ... ) .

ما يتّصل بخاصّته هو، حيث قام الدّليل على أنّها خاصّة بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم.

ما يتّصل بمقتضى الجبلّة البشريّة أو بمقتضى العادات الجارية، كالملبس، والمأكل والمشرب، ... إلخ، وهذا يخضع لمقتضى الطّبيعة الإنسانيّة.

ولكنّ هذا الاتّباع ليس تقليدا أعمى، وإنّما اتّباع بصير متفهّم واع بهدى الله وحكمته، وبالمقوّمات الكفيلة ببناء الإنسان بناء قويّا راسخا «٢» .

الاتباع دليل محبة الله عزّ وجلّ ورسوله صلّى الله عليه وسلّم:

للمحبّة طرفان هما: المحبّ والمحبوب، وفيما يتعلّق بمحبّة الله عزّ وجلّ فإنّ طرفيها هما: محبّة العبد


(١) أفعال الرسول صلّى الله عليه وسلّم للدكتور محمد سليمان الأشقر (٢/ ١٥) .
(٢) المرجع السابق نفسه، الصفحة نفسها.