للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(التعبّد بما لم يأذن به الله) متلازمان، قلّ أن تنفكّ إحداهما عن الأخرى. فإذا قطع الإنسان هذه البدعة بنور السّنّة طلبه الشّيطان في العقبة التّالية وهي:

العقبة الثّالثة: وهي عقبة الكبائر، يزيّنها له ويحسّنها في عينه، ويقول له: الإيمان هو نفس التّصديق فلا تقدح فيه الأعمال «١» . وربّما أجرى على لسانه وأذنه كلمة طالما أهلك بها الخلق، وهي قوله:

«لا يضرّ مع التّوحيد ذنب، كما لا ينفع مع الشّرك حسنة» فإن قطع هذه العقبة بعصمة من الله، أو بتوبة نصوح تنجيه منها طلبه في العقبة التّالية وهي:

العقبة الرّابعة: وهي عقبة الصّغائر، يكيل له منها بالقفزان «٢» ويقول له: ما عليك إذا اجتنبت الكبائر ما غشيت من اللّمم «٣» فهذه تكفّر باجتناب الكبائر وبالحسنات، ولا يزال يهوّن عليه أمرها حتّى يصرّ عليها، والإصرار على الذّنب أقبح منه إذ لا كبيرة مع التّوبة ولا صغيرة مع الإصرار، فإن نجا من هذه العقبة بالتّحرّز والتّحفّظ ودوام التّوبة والاستغفار وإتباع السّيّئة الحسنة، طلبه في العقبة التّالية وهي:

العقبة الخامسة: وهي عقبة المباحات الّتي لا حرج على فاعلها، فشغله بها عن الاستكثار من الطّاعات، ويستدرجه من ذلك إلى ترك السّنن ثمّ من ترك السّنن إلى ترك الواجبات، فإن نجا من هذه ببصيرة تامّة ونور هاد، ومعرفة بقدر الطّاعات والاستكثار منها طلبه في العقبة التّالية، وهي:

العقبة السّادسة: وهي عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة من الطّاعات، يأمره بها ويحسّنها في عينه ويغريه بها ليشغله عمّا هو أفضل منها، وأعظم كسبا وربحا، وأصحاب هذه العقبة قليلون والأكثرون قد ظفر بهم في العقبات السّابقة، فإن نجا منها بفقه في الأعمال ومراتبها عند الله، ومنازلها في الفضل، والتّمييز بين عاليها وسافلها، لأنّه من أهل البصائر والصّدق من ذوي العلم السّائرين على جادّة التّوفيق، فإن كان من النّاجين من هذه طلبه في العقبة الّتي تليها وهي:

العقبة السّابعة: وهي عقبة تسليط جنده عليه بأنواع الأذى باليد واللّسان والقلب على حسب مرتبته في الخير، إذ كلّما علت مرتبته أجلب عليه الشّيطان بخيله ورجله، وسلّط عليه حزبه بأنواع التّسليط، ولا نجاة من هذه العقبة إلّا بعبوديّة المراغمة ولا ينتبه لها إلّا أولو البصائر، ولا شيء أحبّ إلى الله من مراغمة وليّه لعدوّه، ومن تعبّده سبحانه بمراغمة عدوّه فقد أخذ من الصّدّيقيّة بسهم وافر «٤» .

من معاني الغيّ والإغواء في القرآن الكريم:

١- الإغواء بمعنى إيقاع الغيّ في القلب، ومنه قوله تعالى: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ


(١) انظر ما ذكرناه عن العلاقة بين الإيمان والتصديق نقلا عن ابن تيمية في صفة الإيمان.
(٢) القفزان جمع قفيز وهو وعاء كبير يكال به.
(٣) اللّمم: يراد به صغائر الذنوب.
(٤) بتصرف واختصار عن مدارج السالكين (١/ ٢٤٤- ٢٤٩) .