للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأغراض «١» .

[كفر العمل وكفر الاعتقاد:]

قال الشّيخ محمّد بن إبراهيم- رحمه الله-: من الممتنع أن يسمّي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافرا ولا يكون كافرا، بل هو كافر مطلقا. إمّا كفر عمل، وإمّا كفر اعتقاد، وما جاء عن ابن عبّاس رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ ٤٤) ، من رواية طاوس وغيره يدلّ على أنّ الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، إمّا كفر اعتقاد ناقل عن الملّة. وإمّا كفر عمل لا ينقل عن الملّة.

أمّا القسم الأوّل، وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع:

أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقّيّة حكم الله ورسوله. وهو معنى ما روي عن ابن عبّاس، واختاره ابن جرير أنّ ذلك هو جحود ما أنزل الله من الحكم الشّرعيّ وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم.

الثّاني: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كون حكم الله ورسوله حقّا، لكن اعتقد أنّ حكم غير الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أحسن من حكمه، وأتمّ وأشمل لما يحتاجه النّاس من الحكم بينهم عند التّنازع، إمّا مطلقا أو بالنّسبة إلى ما استجدّ من الحوادث. الّتي نشأت عن تطوّر الزّمان وتغيّر الأحوال، وهذا أيضا لا ريب أنّه كفر، لتفضيله أحكام المخلوقين الّتي هي محض زبالة الأذهان وصرف حثالة الأفكار على حكم الحكيم الحميد.

الثّالث: أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنّه مثله، فهذا كالنّوعين اللّذين قبله، في كونه كافرا الكفر النّاقل عن الملّة، لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق، والمناقضة والمعاندة لقوله عزّ وجلّ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (الشورى/ ١١) .

الرّابع: أن لا يعتقد كون حكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلا لحكم الله ورسوله. فضلا عن أن يعتقد كونه أحسن منه. لكن اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله. فهذا كالّذي قبله يصدق عليه ما يصدق عليه. لاعتقاده جواز ما علم بالنّصوص الصّحيحة الصّريحة القاطعة تحريمه.

الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشّرع. ومكابرة لأحكامه، ومشاقّة لله ولرسوله، وتشكيلا وتنويعا وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات، فكما أنّ للمحاكم الشّرعيّة مراجع ومستندات، مرجعها كلّها إلى كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم فلهذه المحاكم مراجع هي: القانون الملفّق من شرائع شتّى وقوانين كثيرة.

السّادس: ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر، والقبائل من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم، وعاداتهم الّتي يسمّونها «سلومهم» يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به ويحملون على التّحاكم إليه عند النّزاع. بقاء على أحكام الجاهليّة وإعراضا ورغبة عن حكم الله ورسوله، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله.

وأمّا القسم الثّاني من قسمي الحاكم بغير ما


(١) مدارج السالكين (١/ ٣٦٤- ٣٦٧)