للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصبحت أساس تقسيمات السكان الذين انقسموا بموجب ذلك إلى ثلاث مجموعات متميزة وهم: المؤمنون، والمنافقون، واليهود.

[تنظيم الأمة بعد الهجرة:]

أدى تدفق المهاجرين إلى المدينة المنورة إلى حصول العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والصحية، ذلك أن المهاجرين كانوا قد تركوا أهليهم ومعظم أموالهم في مكة، كما أنهم كانوا- في الغالب- خبراء متمرسين في أعمال التجارة، ولم تكن لهم مهارة في الزراعة والصناعة اليدوية الشائعة في المدينة، وشكّل حاجاتهم إلى رأس المال حاجزا دون ممارستهم للتجارة. ولقد أبدى الأنصار توجها واضحا نحو البذل والتعاون مع إخوانهم المهاجرين فقد أعطوهم الأرض والنخل ليعملوا بها بنصف ثمارها، ومنهم من أعطى مثل ذلك منيحة دون مقابل، وقد استغنوا عنها حين فتح الله عليهم خيبر «١» . ولا شك في أن عمل الأنصار هذا يعكس مدى اهتمامهم ورعايتهم وحبهم لإخوانهم المهاجرين، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «٢» .

وتحدثت الروايات الصحيحة عن صور رائعة من صور الإيثار الذي مارسه الأنصار تجاه إخوانهم المهاجرين «٣» . وإلى جانب ذلك فإن انتقال المهاجرين إلى مجتمع جديد زاد من مشاكلهم، وإحساسهم بالوحشة والحنين إلى مكة، كما أن البيئة المناخية الجديدة تختلف عما اعتادوه في ديارهم بمكة، كما تعرّضوا للإصابة ببعض الأمراض. وكانت الحمى من الأمراض الظاهرة التي شاعت بينهم وسببت لهم الكثير من المتاعب وزادت من إحساسهم بالضيق والغربة. وذلك ما أدركه النبي صلّى الله عليه وسلّم حين سأل ربه قائلا: «اللهمّ امض لأصحابي هجرتهم ولا تردّهم على أعقابهم» «٤» .

وذلك يعكس دون أدنى شك أن وضع المهاجرين كان يقتضي علاجا سريعا، وحلّا استثنائيّا عاجلا، وذلك ما يوضح السبب في تشريع نظام المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولى من الهجرة «٥» . فلقد أراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يشرع نظاما يعالج فيه أوضاع المهاجرين الاقتصادية ويشعرهم بأنهم ليسوا عالة على إخوانهم الأنصار.


(١) مسلم- الصحيح (شرح النووي ١٢/ ٩٩- ١٠١ كتاب الجهاد والسير، باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم) .
(٢) القرآن الكريم- سورة الحشر، الآية/ ٩، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث ٣٧٧٩) .
(٣) البخاري- الصحيح الأحاديث ٣٩٢٩، ٣٧٨٢، ٣٧٩٤، ٣٧٩٧، وانظر: أحمد- الفتح الرباني ٢١/ ١٠، البلاذري- أنساب ١/ ٢٧٠، الترمذي- السنن ٢/ ٣٠٣- ٣٠٤.
(٤) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٢٦٩) .
(٥) حدد ابن عبد البر تاريخ تشريع المؤاخاة بخمسة أشهر بعد الهجرة (الدرر ص/ ٩٦) ، أما ابن سعد (الطبقات ٢/ ٩) فيجعلها قبل غزوة بدر الكبرى دون تحديد دقيق.