للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من النّساء البخل (بمال أزواجهنّ إلّا أن يؤذنّ بالجود) ، فأمّا سائر النّاس فإنّ البخل يشينهم، وخاصّة الملوك والعظماء، فإنّ البخل أبغض منهم أكثر ممّا هو أبغض من الرّعيّة والعوامّ، ويقدح في ملكهم لأنّه يقطع الأطماع منهم ويبغّضهم إلى رعيّتهم «١» .

[بين البخل والشح:]

قال الكفويّ: البخل هو المنع نفسه، والشّحّ هو الحالة النّفسيّة الّتي تقتضي ذلك المنع.

وقال القرطبيّ: اختلف في البخل والشّحّ هل هما بمعنى واحد أو معنيين؟ فقيل: البخل: الامتناع من إخراج ما حصل عندك، والشّحّ: الحرص على تحصيل ما ليس عندك، وقيل: الشّحّ هو البخل مع حرص، وهو الصّحيح لما روي عنه صلّى الله عليه وسلّم من قوله:

«اتّقوا الشّحّ؛ فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلّوا محارمهم، وهذا يردّ قول من قال: إنّ البخل منع الواجب، والشّحّ منع المستحبّ، إذ لو كان الشّحّ منع المستحبّ لما دخل تحت هذا الوعيد العظيم، ويؤيّد ذلك ما روي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- «.. لا يجتمع شحّ وإيمان في قلب رجل مسلم أبدا، وهذا يدلّ على أنّ الشّحّ أشدّ في الذّمّ من البخل «٢» إلّا أنّه قد جاء في الحديث ما يدلّ على مساواتهما، وذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم عندما سئل:

أيكون المؤمن بخيلا؟ قال لا «٣» وقال: الفيروز آباديّ:

البخل ثمرة الشّحّ، والشّحّ يأمر بالبخل «٤» .

[أنواع البخل:]

قال الرّاغب: البخل ضربان:

أحدهما: بخل الإنسان بقنيّات نفسه «٥» .

والآخر: بخل بقنيّات غيره، وهو أكثرهما ذمّا بدليل قوله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ (النساء/ ٣٧) «٦» .

[البخل أصل لكل خلق مذموم:]

قال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة- وإن كان ذريعة إلى كلّ مذمّة- أربعة أخلاق، ناهيك بها ذمّا وهي:

الحرص، والشّره، وسوء الظّنّ، ومنع الحقوق، وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من هذه الأخلاق المذمومة، والشّيم اللّئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول «٧» .

وقال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم، حتّى إنّ ذلك عامّة ما تمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامّون بالبخل والجبن. ثمّ قال: ولمّا كان صلاح بني آدم لا يتمّ في دينهم ودنياهم إلّا بالشّجاعة والكرم، بيّن الله سبحانه أنّه من تولّى عنه بترك الجهاد بنفسه


(١) تهذيب الأخلاق للجاحظ (٣٣) .
(٢) الكليات (٣٤٢) وقد ذكر أن البخل يتضمن معنى الإمساك ولذلك يعدى أيضا ب «عن» و «على» لأنه إمساك عن مستحق.
(٣) تفسير القرطبي (٤/ ١٨٢) .
(٤) بصائر ذوي التمييز (٢/ ٢٢٧) .
(٥) قنيات نفسه: أي مقتنياته.
(٦) المفردات للراغب (٣٨) ، وانظر بصائر ذوي التمييز (٢/ ٢٢٧) .
(٧) أدب الدنيا والدين (٢٢٨) .