للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتكالمان، وقولهم ما أجد متكلّما أي موضع كلام، والكلمانيّ: المنطيق «١» ، وقد ذكر الفيروز آباديّ للكلام معاني عديدة فالكلام (عنده) : إمّا القول (مطلقا) ، أو ما كان مكتفيا بنفسه (وهو الجملة) ، أو الكلام: ما كان ألفاظا منظومة تحتها معان مجموعة «٢» .

وقد يستعمل الكلام في غير الإنسان كما في قول الشّاعر:

فصبّحت والطّير لم تكلّم ... جابية حفّت بسيل مفعم

قال ابن منظور: وكأنّ الكلام في هذا الاتّساع محمول على القول، ألا ترى إلى قلّة الكلام وكثرة القول «٣» ، وقال أيضا: القرآن كلام الله، وكلم الله وكلماته وكلمته، وكلام الله لا يحدّ ولا يعدّ، وهو غير مخلوق، تعالى الله عمّا يقول المفترون علوّا كبيرا «٤» ، وكلمات الله التّامّات، قال ابن الأثير: قيل: المراد بها القرآن، وإنّما وصف كلامه بالتّمام لأنّه لا يجوز في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام النّاس، وقيل معنى التّمام هنا أنّها تنفع المتعوّذ بها وتحفظه من الآفات وتكفيه، أمّا ما جاء في قوله: (سبحان الله عدد كلماته) فكلمات الله كلامه، وهو صفته، وصفاته تعالى لا تنحصر وذكر العدد هنا مبالغة في الكثرة، وقيل يحتمل أن يكون المراد عدد الأذكار، أو عدد الأجور على ذلك «٥» .

[لفظ الكلمات في القرآن الكريم:]

ورد لفظ الكلمات في القرآن الكريم في سياقات عديدة ومعان مختلفة منها:

١- الكلمات الّتي ابتلى الله تعالى بها إبراهيم عليه السّلام، وهي الواردة في قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ (البقرة/ ١٢٤) ، وقد اختلف المفسّرون في المراد بها اختلافات كثيرة، فقيل المراد بها شرائع الإسلام، وهي ثلاثون سهما، عشرة منها في سورة براءة (التّوبة/ ١١٢) وهي قوله عزّ وجلّ التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، وعشرة في (الأحزاب) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ إلى قوله تعالى أَجْراً عَظِيماً (الآية/ ٣٥) ، وعشرة في (المومنون) من أوّلها إلى قوله سبحانه يُحافِظُونَ (الآيات/ ١- ٩) .

وسَأَلَ سائِلٌ (المعارج) الآيات ٢٢/ ٣٤ من أوّل قوله إِلَّا الْمُصَلِّينَ إلى قوله يُحافِظُونَ، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما-: ما ابتلى الله أحدا بهنّ فقام بها كلّها إلّا إبراهيم عليه السّلام، ابتلي بالإسلام فأتمّه فكتب الله له البراءة، وقال بعضهم: الكلمات (هنا) ما أمر به أو نهي عنه، وقيل ابتلي بذبح ابنه، وقال بعضهم: ابتلي بأداء الرّسالة، قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- والمعنى في ذلك متقارب «٦» .


(١) الصحاح (٥/ ٢٠٢٣) .
(٢) بتصرف عن بصائر ذوي التمييز (٤/ ٣٧٧) .
(٣) لسان العرب (١٢/ ٥٢٣) .
(٤) النهاية (٤/ ١٩٩، ١/ ١٩٧) .
(٥) المرجع السابق (٤/ ١٩٨) .
(٦) تفسير القرطبي (٢/ ٩) ، وقد ذكر آراء أخرى، تنظر تفصيلا في الموضع المذكور.