للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمع محمّدا يزعم أنّه قاتلي. قالت: فو الله ما يكذب محمّد. قال: فلمّا خرجوا إلى بدر وجاء الصّريخ قالت له امرأته: أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربيّ؟ قال فأراد أن لا يخرج فقال له أبو جهل: إنّك من أشراف الوادي، فسر يوما أو يومين، فسار معهم يومين، فقتله الله» «١» .

مصارع الطّغاة:

- فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ قال: كنّا مع عمر بين مكّة والمدينة، فتراءينا الهلال. وكنت رجلا حديد البصر «٢» . فرأيته. وليس أحد يزعم أنّه رآه غيري. قال فجعلت أقول لعمر: أما تراه؟ فجعل لا يراه. قال يقول عمر: سأراه وأنا مستلق على فراشي. ثمّ أنشأ يحدّثنا عن أهل بدر فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس. يقول: هذا مصرع فلان غدا، إن شاء الله قال فقال عمر: فو الّذي بعثه بالحقّ ما أخطئوا الحدود الّتي حدّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال فجعلوا في بئر بعضهم على بعض فانطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى انتهى إليهم فقال: «يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقّا؟ فإنّي وجدت ما وعدني الله حقّا» .

قال عمر: يا رسول الله كيف تكلّم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم «٣» . غير أنّهم لا يستطيعون أن يردّوا عليّ شيئا» «٤» .

[الأعمال بالخواتيم:]

- عن سهل بن سعد السّاعديّ- رضي الله عنه-؛ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التقى هو والمشركون فاقتتلوا. فلمّا مال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عسكره. ومال الآخرون إلى عسكرهم. وفي أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل لا يدع لهم شاذّة «٥» إلّا اتّبعها يضربها بسيفه. فقالوا: ما أجزأ منّا اليوم أحد كما أجزأ فلان «٦» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أما إنّه من أهل


(١) رواه البخاري- انظر الفتح: ٦ (٣٦٣٢) .
(٢) حديد البصر: أي نافذه ومنه قوله تعالى: (فبصرك اليوم حديد) .
(٣) ما أنتم بأسمع لما أقول منهم: قال المازري: قال بعض الناس: الميت يسمع، عملا بظاهر هذا الحديث. ثم أنكره المازري وادعى أن هذا خاص في هؤلاء. ورد عليه القاضي عياض وقال: يحتمل سماعهم على ما يحتمل عليه سماع الموتى في أحاديث عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها. وذلك بإحيائهم أو إحياء جزء منهم يعقلون به ويسمعون في الوقت الذي يريد الله تعالى. قال النووي بعد ذكره للكلام السابق: هذا كلام القاضي، وهو الظاهر المختار الذي تقتضيه أحاديث السلام على القبور. انظر شرح النووي على صحيح مسلم (١٧/ ٢٠٦، ٢٠٧) .
(٤) رواه مسلم برقم (٢٨٧٣) .
(٥) لا يدع لهم شاذة: الشاذ والشاذة: الخارج والخارجة عن الجماعة. قال القاضي عياض رحمه الله: أنث الكلمة على معنى النسمة. أو تشبيه الخارج بشاذة الغنم. ومعناه أنه لا يدع أحدا، على طريق المبالغة. قال ابن الأعرابي: يقال فلان لا يدع شاذة ولا فاذة، إذا كان شجاعا. لا يلقاه أحد إلا قتله.
(٦) ما أجزأ منا اليوم أحد ما أجزأ فلان: معناه ما أغنى وكفى أحد غناءه وكفايته.