للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى من أذاهم «١» .

ولما اقترب الجيش الإسلامي من المدينة خرج الصبيان إلى ثنية الوداع لاستقباله «٢» ، ومعهم النساء والولائد وهم يرددون «٣» :

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع

كان أول ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم عند دخوله المدينة أن صلّى في مسجده الشريف ركعتين، ثم جلس للناس فجاءه المنافقون المتخلفون عن الغزوة فاعتذروا بشتى الأعذار فقبل منهم علانيتهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى «٤» .

وقد أصبح الموقف جديّا من المنافقين بعد الرجوع من غزوة تبوك، فقد امتنع النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الصلاة في مسجد الضرار الذي كانوا بنوه قبل الغزوة، وأمر بتحريقه «٥» ، كما امتنع عن الصلاة على أمواتهم فقد منعه الله من ذلك فنزل قوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ «٦» .

وقد نهى الله تعالى عن قبول أعذار المنافقين، فقال في محكم التنزيل: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «٧» .

وقد أمر الله تعالى بعدم تصديقهم وبالإعراض عنهم ووصفهم بأنهم رجس فقال تعالى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ «٨» .

[المتخلفون عن غزوة تبوك:]

كان عدد المتخلفين كبيرا، ولما كان عدد أفراد الجيش كبيرا فقد ظن المتخلفون أن أحدا لا يفطن إلى غيابهم


(١) أحمد- المسند ٥/ ٣٩٠- ٩١، البيهقي- السنن ٩/ ٣٢- ٣.
(٢) البخاري- الصحيح ٦/ ٨ (كتاب المغازي) .
(٣) أورد ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح الحديثين (٤٤٢٦- ٤٤٢٧) .
(٤) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الحديث ٤٤١٨) ، مسلم ٤/ ٢١٢٣- حديث (٢٧٦٩) .
(٥) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات/ ١٠٧- ١٠٨، وانظر الطبري- التفسير ١١/ ٢٣- ٢٤. وأورد ابن إسحاق خبرا عن إرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم لاثنين من الصحابة، هما مالك بن الدخشم ومعن بن عدي إلى مسجد الضرار لهدمه وتحريقه وأنهما نفذا أوامره صلّى الله عليه وسلّم، كما قدم قائمة بالاثنى عشر منافقا الذين قاموا بتأسيسه (ابن هشام- السيرة ٣/ ٥٣٠ والرواية مرسلة الإسناد.
(٦) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ ٨٤، البخاري- الصحيح (فتح الباري ٣/ ٢١٤، ٨/ ٣٣٣) .
(٧) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ ٩٤.
(٨) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات/ ٩٥- ٩٦.