للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودنياه، وقول الله تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (هود/ ١) فمعناه كما قال أهل التّفسير: أحكمت آياته بالأمر والنّهي والحلال والحرام، ثمّ فصّلت بالوعد والوعيد.

وقال الرّاغب في مفرداته: الحكم بالشّيء أن تقضي بأنّه كذا أو كذا ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه، والحكمة: إصابة الحقّ بالعلم والعقل، ويختلف معنى الحكمة باختلاف من يتّصف بها، فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان: معرفة الموجودات وفعل الخيرات، وهذا وصف به لقمان في قوله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ونبّه على جملتها (أي الحكمة) بما وصفه به، فإذا قيل في الله تعالى هو حكيم فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به غيره، ومن هذا الوجه قال تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ وإذا وصف به القرآن فلتضمّنه الحكمة، وعلى ذلك قوله تعالى تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ* وقيل معنى الحكيم المحكم كما في قوله- عزّ وجلّ-: أُحْكِمَتْ آياتُهُ وكلاهما صحيح فإنّه محكم ومفيد للحكم (أي الحكمة) ففيه المعنيان جميعا «١» .

الحكيم من أسماء الله- عزّ وجلّ-:

قال ابن منظور: الله- سبحانه وتعالى- أحكم الحاكمين، وهو الحكيم، له الحكم سبحانه وتعالى، قال اللّيث: الحكم الله تعالى، وقال الأزهريّ من صفات الله: الحكم والحكيم والحاكم ومعاني هذه الأسماء متقاربة، وعلينا الإيمان بأنّها من أسمائه، وقال ابن الأثير في أسماء الله تعالى الحكم والحكيم وهما بمعنى الحاكم، وهو القاضي فهو فعيل بمعنى فاعل، أو هو الّذي يحكم الأشياء ويتقنها فهو فعيل بمعنى مفعل، وقيل الحكيم: ذو الحكمة وهي عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم «٢» .

وقال الغزاليّ: الحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، والله عزّ وجلّ هو الحكيم الحقّ، لأنّه يعلم أجلّ الأشياء بأجلّ العلوم، إذ أجلّ العلوم هو العلم الأزليّ الدّائم الّذي لا يتصوّر زواله، المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرّق إليه خفاء ولا شبهة ولا يتّصف بذلك إلّا علم الله سبحانه وتعالى «٣» .

وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-:- اسم الحكيم له سبحانه- من لوازمه ثبوت الغايات المحمودة المقصودة له بأفعاله، ووضعه الأشياء في مواضعها، وإيقاعها على أحسن الوجوه «٤» .

[الحكمة اصطلاحا:]

قال الكفويّ: الحكمة عند العلماء هي استعمال النّفس الإنسانيّة باقتباس العلوم النّظريّة


(١) بتصرف يسير عن المراجع الآتية: مقاييس اللغة لابن فارس (٢/ ٩١) ، والصحاح للجوهري (٥/ ١٩٠٢) ، ولسان العرب لابن منظور (٩٥١- ٩٥٤) (ط. دار المعارف) ، والمفردات للراغب (ص ١٢٦، ١٢٧) .
(٢) لسان العرب: السابق (٩٥١) (ط. دار المعارف) .
(٣) المقصد الأسنى ص ١٢٠.
(٤) التفسير القيم ص ٣١.