للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالوا: رجل نصر، وقوم نصر، فوصفوا بالمصدر كرجل عدل وقوم عدل، وقوله عزّ وجلّ مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ... (الحج/ ١٥) .

معناه: من ظنّ من الكفّار أنّ الله لا يظهر محمّدا صلّى الله عليه وسلّم على من خالفه فليختنق غيظا حتّى يموت كمدا، فإنّ الله عزّ وجلّ يظهره ولا ينفعه غيظه وموته خنقا، فالهاء في قوله أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ للنّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم.

ويقال: انتصر الرّجل إذا امتنع من ظالمه، قال الأزهريّ: يكون الانتصار من الظّالم الانتصاف والانتقام، وانتصر منه: انتقم، قال تعالى مخبرا عن نوح فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (القمر/ ١٠- ١١) كأنّه قال لربّه انتقم منهم، كما قال: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (نوح/ ٢٦) وقال الرّاغب: وإنّما قال فانتصر ولم يقل انصر تنبيها على أنّ ما يلحقني يلحقك من حيث إنّي جئتهم بأمرك فإن نصرتني فقد انتصرت لنفسك.

والتّناصر: التّعاون على النّصر، وتناصروا نصر بعضهم بعضا. وفي الحديث «كلّ المسلم على المسلم محرّم، أخوان نصيران» أي هما أخوان يتناصران ويتعاضدان، والنّصير فعيل بمعنى فاعل أو مفعول» ، لأنّ كلّ واحد من المتناصرين ناصر ومنصور، وقد نصره ينصره نصرا إذا أعانه على عدوّه وشدّ منه، ومنه حديث الضّيف المحروم «فإنّ نصره حقّ على كلّ مسلم ومسلمة حتّى يأخذ بقرى ليلته» . وقيل: يشبه هذا أن يكون في المضطّر الّذي لا يجد ما يأكل ويخاف على نفسه التّلف، فله أن يأكل من مال أخيه بقدر حاجته الضّروريّة وعليه الضّمان «١» .

[التناصر اصطلاحا:]

يذكر التّناصر ويراد به اصطلاحا أحد أمرين:

الأوّل: تناصر المسلمين ويراد به: أن يقدّم كلّ منهم العون لأخيه ليدفع عنه الظّلم إن كان مظلوما ويردّه عن ظلمه إن كان ظالما.

الثّاني: التّناصر بين العبد وربّه ويراد به: أن يلتزم المسلم بتقديم النّصرة لعباد الله وأن يلتزم بحدوده عزّ وجلّ بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وإذا فعل ذلك أعانه الله وأعطاه ما يظفر به تنفيذا لوعده عزّ وجلّ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ؟ (الحج/ ٤٠) «٢» .

[ضرورة التناصر وأهميته:]

للتّناصر أهمّية عظمى في حياة الأمّة، وبدونه يصبح المجتمع الإسلاميّ مكشوفا أمام أعدائه معرّضا للهزيمة في كلّ وقت وعلى العكس من ذلك؛ فإنّ


(١) باختصار وتصرف يسير عن: مقاييس اللغة (٥/ ٤٣٥) ، وبصائر ذوي التمييز (٥/ ٦٩) ، والصحاح (٢/ ٨٢٨) ومفردات الراغب (٤٩٥) ، ولسان العرب ط. دار المعارف ص (٤٤٤) .
(٢) لم نجد في كتب المصطلحات تعريفا للتناصر فيما عدا ما ذكره الكفوي في كلياته (٢/ ١٠٣) ، من أن التناصر: هو التعاون،، وهذا أقرب إلى أن يكون تفسيرا لغويا، وقمنا باستنباط ما ذكرناه من كتب التفسير وكتب شرح الأحاديث.