للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحكم بما أنزل الله]

[الحكم لغة:]

الحكم مصدر قولهم: حكم يحكم حكما، وهو مأخوذ من مادّة (ح ك م) الّتي تدلّ على المنع من الظّلم، وسمّيت حكمة الدّابّة بذلك لأنّها تمنعها عن فعل ما لا يريد صاحبها، يقال: حكمت الدّابّة وأحكمتها إذا منعتها، ويقال أيضا حكمت السّفيه، وأحكمته: إذا أخذت على يديه، قال جرير:

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إنّي أخاف عليكم أن أغضبا

ويقال: حكّم فلان في كذا، إذا جعل أمره إليه، والمحكّم المجرّب المنسوب إلى الحكمة، قال طرفة:

ليت المحكّم والموعوظ صوتكما «١» ... أراد بالمحكّم الشّيخ المنسوب إلى الحكمة «٢» .

تحت التّراب إذا ما الباطل انكشفا ... أراد بالمحكّم الشّيخ المنسوب إلى الحكمة «٢» .

وقال الرّاغب: حكم أصله منع منعا لإصلاح، والحكم بالشّيء أن تقضي بأنّه كذا، أو ليس بكذا، سواء ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه، قال تعالى:

وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (النساء/ ٥٨) ويقال: حاكم وحكّام لمن يحكم بين الآيات الأحاديث الآثار

٦٩ ٢٢ ٢٦

النّاس «٣» .

وقيل: الحكم: العلم والفقه والقضاء بالعدل، ويروى: «إنّ من الشّعر لحكمة» وهو بمعنى الحكم، ومنه الحديث: الخلافة في قريش والحكم في الأنصار، خصّهم بالحكم لأنّ أكثر فقهاء الصّحابة فيهم، ومن هذا قيل للحاكم بين النّاس حاكم، لأنّه يمنع الظّالم من الظّلم.

وقيل: الحكم: الحكمة من العلم، وفي الحديث في صفة القرآن: وهو الذّكر الحكيم، أي الحاكم لكم وعليكم، أو هو المحكّم الّذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب.

وحاكمه إلى الحكم: دعاه، وحكّموه بينهم:

أمروه أن يحكم، ويقال: حكّمنا فلانا فيما بيننا أي أجزنا حكمه بيننا «٤» .

[الحكم والحكيم من أسماء الله الحسنى:]

والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، وهو الحكيم له الحكم، قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى الحكم والحكيم، هما بمعنى الحاكم، وهو القاضي، فهو فعيل بمعنى فاعل، أو هو الّذي يحكم الأشياء


(١) صوتكما: بالنصب لأن المراد عاذليّ كبّ صوتكما والخبر متعلق الظرف (تحت التراب) . وانظر ديوان طرفة (ص ٢١٥) . قال محققه: المحكّم: الشيخ المجرب المنسوب إلى الحكمة، أي الذي أحكمته التجارب. ولعل الشاعر يقصد بهذا البيت أن يدعو لصاحبيه ألا يكونا على قيد الحياة حينما ينكشف الباطل وتتضح الحقيقة، لكيلا يزداد حزنهما على ما ناله من ظلم بسبب جور الأمير وطغيانه.
(٢) مقاييس اللغة لابن فارس (٢/ ٩١) .
(٣) المفردات في غريب القرآن (ص ١٢٦- ١٢٧) .
(٤) لسان العرب لابن منظور (١٢/ ١٤٠- ١٤١) .