للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والآخر اختياريّ ويختصّ به الإنسان «١» .

وقال الكفويّ: المحبّة إفراط الرّضا، وهو قسمان: قسم يكون لكلّ مكلّف، وهو ما لا بدّ منه في الإيمان، وحقيقته قبول ما يرد من قبل الله من غير اعتراض على حكمه وتقديره، وقسم لا يكون إلّا لأرباب المقامات وحقيقته ابتهاج القلب وسروره بالمقضيّ، والرّضا فوق التّوكّل لأنّه المحبّة في الجملة «٢» .

والمحبّة الميل إلى ما يوافق المحبّ، وقد تكون بحواسّه كحسن الصّورة، أو بفعله إمّا لذاته كالفضل والكمال، وإمّا لإحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر. انتهى ملخّصا قاله النّوويّ ونقله عنه ابن حجر في الفتح «٣» .

[أنواع المحبة (بحسب المحبين) :]

المحبّة ضربان: طبيعيّ واختياريّ، وهذا الأخير على أربعة أضرب.

الأوّل: ما كان للشّهوة، وأكثر ما يكون بين الأحداث.

الثّاني: ما كان للمنفعة، ومن ذلك ما يكون بين التّجّار وأصحاب الصّناعات والمذاهب.

الثّالث: ما كان مركّبا من الضّربين، وذلك كمن يحبّ غيره لنفع، وذلك الغير يحبّه للشّهوة.

الرّابع: ما كان للفضيلة كمحبّة المتعلّم للعالم وهي المحبّة الباقية على مرور الأوقات، أمّا الثّلاثة الأول فقد تطول مدّتها وقد تقصر «٤» .

[أنواع المحبة (بحسب المحبوبين) :]

للمحبّة بحسب من نحبّهم أنواع ثلاثة هي:

محبّة الله تعالى ومحبّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ومحبّة الخلق.

[أولا: محبة الله تعالى:]

هي أن تهب كلّك لمن أحببت. فلا يبقى لك منك شيء. والمراد: أن تهب إرادتك وعزمك وأفعالك ونفسك ومالك ووقتك لمن تحبّه، وتجعلها حبسا في مرضاته ومحابّه. فلا تأخذ لنفسك منها إلّا ما أعطاك، فتأخذه منه له «٥» .

[معقد نسبة العبودية:]

ومعقد نسبة العبوديّة لله تعالى هو المحبّة.

فالعبوديّة معقودة بها، بحيث متى انحلّت المحبّة انحلّت العبوديّة. والله أعلم. وهي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال. الّتي متى خلت منها فهي كالجسد الّذي لا روح فيه. تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدّنيا والآخرة. إذ لهم من معيّة محبوبهم أوفر نصيب. وقد قضى الله يوم قدّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة: أنّ المرء مع من أحبّ. فيالها من نعمة على المحبّين سابغة. تالله لقد سبق القوم السّعاة، وهم على ظهير الفرش نائمون. وقد تقدّموا الرّكب بمراحل، وهم في سيرهم واقفون.

من لي بمثل سيرك المدلّل ... تمشي رويدا؟ وتجي في الأوّل

أجابوا منادي الشّوق إذ نادى بهم: حيّ على


(١) الذريعة إلى مكارم الشريعة (٣٦٣) .
(٢) الكليات للكفوي (٤٧٨) .
(٣) فتح الباري (١/ ٧٤) .
(٤) الذريعة إلى مكارم الشريعة (٣٦٣) .
(٥) تهذيب مدارج السالكين (٥١٢) .