للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذا كان معه الاسم نحو: يا فلان، وقد يستعمل كلّ منهما في موضع الآخر «١» .

[أقسام الدعاء:]

لفظ الدّعاء والدّعوة في القرآن الكريم يتناول معنيين:

الأوّل: دعاء العبادة، والآخر دعاء المسألة.

ودعاء المسألة هو طلب ما ينفع الدّاعي، وطلب كشف ما يضرّه ودفعه، وكلّ من يملك الضّرّ والنّفع فإنّه هو المعبود (بحقّ) «٢» .

أمّا دعاء العبادة فهو الّذي يتضمّن الثّناء على الله بما هو أهله ويكون مصحوبا بالخوف والرّجاء «٣» .

والدّعاء في القرآن يراد به هذا تارة، وهذا تارة، ويراد به مجموعهما وهما متلازمان، فالعبد يدعو للنّفع أو دفع الضّرّ دعاء المسألة ويدعو خوفا ورجاء دعاء العبادة فكلّ دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة وكلّ دعاء مسألة متضمّن لدعاء العبادة، وقد ورد المعنيان جميعا في قوله سبحانه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (الأعراف/ ٥٥- ٥٦) .

أمّا قوله سبحانه: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (البقرة/ ١٨٦) فإنّه يتناول نوعي الدّعاء أيضا، وبكلّ منهما فسّرت الآية، قيل: المعنى: أعطيه إذا سألني، وقيل أثيبه إذا عبدني، والقولان متلازمان.

ومن ذلك قوله سبحانه: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر/ ٦٠) ولكنّه في دعاء العبادة أظهر، ولهذا أعقبه: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي وقد فسّر الدّعاء في الآية بهذا وبهذا، وأمّا قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ (الحج/ ٧٣) فالمراد به دعاء العبادة المتضمّن دعاء المسألة، وأمّا قوله سبحانه:

فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (غافر/ ١٤) ، فهذا هو دعاء العبادة والمعنى اعبدوه وحده وأخلصوا عبادته «٤» ، وذلك بخلاف قوله تعالى: ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ (القصص/ ٦٤) فهذا دعاء المسألة، يبكّتهم الله تعالى ويخزيهم يوم القيامة بأن يروا أنّ شركاءهم لا يستجيبون لدعوتهم، وليس المراد اعبدوهم «٥» .

[فوائد إخفاء الدعاء:]

لقد أمر الله سبحانه وتعالى بإخفاء الدّعاء في آية الأعراف: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً (الأعراف/ ٥٥) ، والدّعاء هنا وإن كان يشمل نوعي الدّعاء إلّا أنّه ظاهر في دعاء المسألة المتضمّن دعاء العبادة ولهذا أمر بإخفائه وإسراره وفي هذا الإخفاء فوائد عديدة منها:-

١- أنّه أعظم إيمانا لعلم صاحبه أنّ الله يسمع الدّعاء الخفيّ.


(١) المفردات ص ١٧٠.
(٢) الفتاوى ١٧/ ١٠، وانظر أيضا الفتاوى ١٠/ ٢٣٧، وعن الموضع الأول أخذ ابن القيم في تفسيره، انظر التفسير القيم ص ٢٤٠.
(٣) هذا فحوى كلام الإمامين ابن تيمية وابن القيم في الموضعين السابقين لكنهما لم يصرحا بذلك.
(٤) الفتاوى ١٧/ ١٣.
(٥) التفسير القيم ص ٢٤٣.