للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٦- الشّفاعة في تخفيف العذاب عن عمّه أبي طالب.

فالّذي اختصّ به صلّى الله عليه وسلّم من هذه الشّفاعات دون غيره هو:

١- شفاعته في استفتاح باب الجنة:

ينتقل النّاس في عرصات القيامة من كرب إلى كرب فأهوال قبل فصل القضاء فشفاعة عظمى ثمّ يحاسب النّاس، وعند ذلك ينصب الميزان، وتطاير الصّحف ويكون التّمييز بين المؤمنين والمنافقين ثمّ يؤذن في نصب الصّراط والمرور عليه ويوقف بعض من نجا عند القنطرة للمقاصصة بينهم، فإذا انتهى ذلك كلّه يقوم المؤمنون وتقرّب لهم الجنّة فيطلبون من يكرم على مولاه ليشفع لهم في استفتاح باب الجنّة، فيأتون آدم فإبراهيم فموسى فعيسى عليهم السّلام وكلّ منهم يعتذر عن هذا المقام العظيم، فيأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيشفع لهم إلى الله تبارك وتعالى، على ما ورد تفصيله في الأحاديث.

- فعن أبي هريرة وحذيفة- رضي الله عنهما-؛ قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يجمع الله تبارك وتعالى النّاس.

فيقوم المؤمنون حتّى تزلف «١» لهم الجنّة، فيأتون آدم، فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنّة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنّة إلّا خطيئة أبيكم آدم! لست بصاحب ذلك. اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك. إنّما كنت خليلا من وراء وراء «٢» ، اعمدوا إلى موسى صلّى الله عليه وسلّم الّذي كلّمه الله تكليما، فيأتون موسى صلّى الله عليه وسلّم فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه. فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، فيقوم فيؤذن له. وترسل الأمانة والرّحم «٣» فتقومان جنبتي الصّراط «٤» يمينا وشمالا. فيمرّ أوّلكم كالبرق؟ قال: قلت بأبي أنت وأمّي! أيّ شيء كمرّ البرق؟ قال: «ألم تروا إلى البرق كيف يمرّ ويرجع في طرفة عين؟

ثمّ كمرّ الرّيح، ثمّ كمرّ الطّير وشدّ الرجال «٥» . تجري بهم أعمالهم «٦» . ونبيّكم قائم على الصّراط يقول: ربّ سلّم سلّم. حتّى تعجز أعمال العباد حتّى يجيء الرّجل فلا يستطيع السّير إلّا زحفا. قال وفي حافّتي الصّراط «٧» كلاليب


(١) تزلف: أي تقرب- كما قال الله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ* أي قريب.
(٢) من وراء وراء: قال النووي: قال صاحب التحرير: هذه كلمة تذكر على سبيل التواضع أي لست بتلك الدرجة الرفيعة- انظر شرح النووي على صحيح مسلم (٣/ ٧١) .
(٣) وترسل الأمانة والرحم: إرسال الأمانة والرحم لعظم أمرهما وكبير موقعهما، فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى.
(٤) جنبتي الصراط: معناهما جانباه. ناحيتاه اليمنى واليسرى.
(٥) وشد الرجال: الشد هو العدو البالغ والجري.
(٦) تجري بهم أعمالهم: هو تفسير لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فيمر أولكم كالبرق ثم كمر الريح» إلى آخره.
(٧) حافتي الصراط: هما جانباه.