للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثمّ يقول: ارفع محمّد وقل يسمع واشفع تشفّع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي، فأثني على ربّي بثناء وتحميد يعلّمنيه، قال: ثمّ أشفع فيحدّ لي حدّا فأخرج فأدخلهم الجنّة. قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النّار وأدخلهم الجنّة حتّى ما يبقى في النّار إلّا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود. ثمّ تلا الآية عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «١» . قال: وهذا المقام الّذي وعده نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم «٢» .

- وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الشّمس تدنو يوم القيامة حتّى يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثمّ بموسى «٣» ثمّ بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلّهم «٤» .

هذا، ولرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شفاعات أخرى غير الشّفاعة العظمى، منها ما اختصّ بها وحده، ومنها ما شاركه فيها غيره ممّن أذن الله تعالى له من الملائكة المقرّبين والأنبياء والمرسلين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وغيرهم.

فنسرد شفاعته «٥» صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ نقتصر في ذكر الأدلّة على ما اختصّ به منها دون غيره:

١- الشّفاعة في استفتاح باب الجنّة.

٢- الشّفاعة في تقديم من لا حساب عليهم في دخول الجنّة.

٣- الشّفاعة فيمن استحقّ النّار من الموحّدين أن لا يدخلها.

٤- الشّفاعة في إخراج عصاة الموحّدين من النّار.

٥- الشّفاعة في رفع درجات ناس في الجنّة.


(١) قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: والراجح أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة. لكن الشفاعة التي وردت في الأحاديث المذكورة في المقام المحمود نوعان: الأول العامة في فصل القضاء، والثاني الشفاعة في إخراج المذنبين من النار. ثم ذكر أقوالا أخرى في تفسير المقام المحمود ... إلى أن قال: ويمكن رد الأقوال كلها إلى الشفاعة العامة. فإن إعطاءه لواء الحمد وثناءه على ربه ... كل ذلك صفات للمقام المحمود الذي يشفع فيه ليقضى بين الخلق. وأما شفاعته في إخراج المذنبين من النار فمن توابع ذلك- انظر فتح الباري (١١/ ٤٣٥) .
(٢) رواه البخاري- الفتح ١٣ (٧٤٤٠) ، ومسلم برقم (١٩٣) .
(٣) قوله (بآدم ثم بموسى) : قال الحافظ ابن حجر: هذا فيه اختصار وسيأتي في الرقاق- أي في كتاب الرقاق- في حديث الشفاعة الطويل ذكر من يقصدونه بين آدم وموسى وبين موسى ومحمد صلّى الله عليه وسلّم- انظر فتح الباري (٣/ ٣٩٧) وقد مر ذلك قريبا.
(٤) رواه البخاري- الفتح ٣ (١٤٧٥) .
(٥) انظر في ذلك فتح الباري (١١/ ٤٣٦) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (٢/ ٣٧٨) .