للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (ص/ ٣٠) «١» .

[إطلاقات الكلمة في القرآن الكريم:]

وردت كلمة التّوبة في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه:

١- بمعنى التّجاوز والعفو. وهذا مقيّد بعلى، كقوله تعالى فَتابَ عَلَيْكُمْ (البقرة/ ٥٤) .

٢- بمعنى الرّجوع والإنابة. وهذا مقيّد بإلى، كقوله تعالى وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (النور/ ٣١) .

٣- بمعنى النّدامة. وهذا غير مقيّد لا ب (إلى) ولا ب (على) : كقوله تعالى: فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (التوبة/ ٣) .

[شروط التوبة:]

قال النّوويّ- رحمه الله تعالى-: التّوبة واجبة من كلّ ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلّق بحقّ آدميّ فلها شروط ثلاثة وهي:

١- أن يقلع عن المعصية.

٢- أن يندم على فعلها.

٣- أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا. فإن فقد أحد الثّلاثة لم تصحّ توبته «٢» .

ويزاد شرط رابع إذا كان الذّنب يتعلّق بحقّ آدميّ: أن يبرأ من حقّ صاحبه؛ فإن كان مالا أو نحوه ردّه إليه، وإن كان حدّ قذف مكّنه منه أو طلب عفوه، وإن كان غيبة استحلّه منها، هذا إذا لم يترتّب على ذلك مفسدة أعظم. ويجب أن يتوب من جميع الذّنوب، فإن تاب من بعضها صحّت توبته من ذلك الذّنب «٣» .

[التوبة من ترك المأمور أولى من التوبة من فعل المحظور:]

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: من تاب توبة عامّة كانت هذه التّوبة مقتضية لغفران الذّنوب، وإن لم يستحضر أعيان الذّنوب إلّا أن يعارض هذا العامّ معارض يوجب التّخصيص مثل أن يكون بعض الذّنوب لو استحضره لم يتب منه، لقوّة حبّه إيّاه، أو لاعتقاده أنّه حسن ليس بقبيح، فما كان من ذنب لو استحضره لم يتب منه لم يدخل في التّوبة، وأمّا ما كان لو استحضره بعينه لكان ممّا يتوب منه؛ فإنّ التّوبة العامّة شاملة له. وأمّا التّوبة المطلقة:

وهي أن يتوب توبة مجملة، فإنّها لا تستلزم التّوبة من كلّ ذنب. فهذه لا توجب دخول كلّ فرد من أفراد الذّنوب فيها ولا تمنع دخوله كاللّفظ المطلق، لكن هذه تصلح أن تكون سببا لغفران المعيّن، كما تصلح سببا لغفران الجميع، بخلاف التّوبة العامّة فإنّها مقتضية للغفران العامّ.


(١) راجع: لسان العرب، مادة: أوب، وتوب.
(٢) يتفق ما ذكره الإمام النووي مع قول أهل السنة الذي لخصه التهانوي فقال: قال أهل السنة شروط التوبة ثلاثة: ترك المعصية في الحال، وقصد تركها في الاستقبال، والندم على فعلها في الماضى انظر كشاف اصطلاحات الفنون (١/ ٢٣٣) .
(٣) رياض الصالحين (١١، ١٢) بتصرف، وانظر مدارج السالكين (١/ ٣٠٥) .