وجلّ العهد على الأنبياء والمرسلين بألّا يكتموا ممّا أوحي عليهم شيئا، وتوعّد من يفعل ذلك بذلّ الدّنيا وعذاب الآخرة فقال عزّ من قائل إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (البقرة/ ١٧٤) .
وقد لعنهم المولى عزّ وجلّ في آية أخرى فقال إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (البقرة/ ١٥٩) . قال العزّ بن عبد السّلام: وكتمان ذلك وسيلة إلى تضييع أحكام الله، وما يتعلّق بها من طاعة «١» .
كتمان السّرّ في القرآن الكريم:
ورد في الذّكر الحكيم كلّ من لفظي «السّرّ» و «الكتمان» على حدته، ولكنّهما لم يردا معا بهذه الصّيغة «كتمان السّرّ» بيد أنّ المعنى المقصود بكتمان السّرّ قد ورد في آيات عديدة لاندراج هذه الصّفة في كلّ من الأمانة والوفاء من جهة، والوقار من جهة أخرى، وذلك أنّ نقيض هذه الصّفة وهو إفشاء السّرّ (انظرها في الصّفات المنهيّ عنها) من قبيل اللّغو الّذي أمرنا بالإعراض عنه، ومن ثمّ يكون الكتمان وقارا والإفشاء لغوا، ومن الوضوح بمكان أنّ الّذي يؤتمن على سرّ فيحافظ عليه يكون مؤدّيا للأمانة، وقد جاء في الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «إذا حدّث الرّجل بالحديث ثمّ التفت فهي أمانة»(انظر الحديث رقم ٢) .
ومن الوفاء أيضا أن يحافظ المسلم على سرّ أخيه فيكتمه وإلّا كان غادرا، ومن حقّ المسلم على المسلم أن يكتم عنه ما يكون قد وصل إليه من سرّه، خاصّة إذا كان قد تعهّد له بحفظ هذا السّرّ وعدم إذاعته.
ومن هنا كان كتمان السّرّ نوعا من الوفاء بالعهد، وقد قال تعالى وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (الإسراء/ ٣٤) .
[للاستزادة: انظر صفات: الأمانة- الشرف- الصمت وحفظ اللسان- المروءة- النبل.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: إفشاء السر- الخيانة- الفضح- الإساءة- الأذى] .
(١) انظر شجرة المعارف والأحوال للعز بن عبد السلام (٣١٢) .