للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والغرض والغاية من وصف الله تعالى به فعل ما يسرّ وترك ما يضرّ والعطاء من غير سؤال «١» .

وقال الفيروز آباديّ: وأمّا حياء الرّبّ تبارك وتعالى من عبده، فنوع آخر لا تدركه ولا تكيّفه العقول فإنّه حياء كرم وبرّ وجود، فإنّه كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفرا، ويستحي أن يعذّب شيبة شابت في الإسلام «٢» .

[أنواع الحياء:]

الحياء قسمان: غريزيّ، ومكتسب. والحياء المكتسب: هو الّذي جعله الشّارع من الإيمان، وهو المكلّف به دون الغريزيّ، وقد ينطبع الشّخص بالمكتسب حتّى يصير كالغريزيّ.

وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد جمع له النّوعان، فكان صلّى الله عليه وسلّم في الغريزيّ أشدّ حياء من العذراء في خدرها، وكان في المكتسب في الذّروة العليا «٣» .

وقال المناويّ: الحياء نوعان: نفسانيّ وهو المخلوق في النّفوس كلّها كالحياء من كشف العورة والجماع بين النّاس، وإيمانيّ وهو أن يمتنع المسلم من فعل المحرّم خوفا من الله «٤» .

ونقل صاحب الآداب الشّرعيّة عن غير واحد قولهم: قد يكون الحياء تخلّقا واكتسابا كسائر أعمال البرّ، وقد يكون غريزة واستعماله على مقتضى الشّرع يحتاج إلى كسب ونيّة وعلم «٥» .

[المعاصي تذهب الحياء:]

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الّذي هو مادّة حياة القلب، وهو أصل كلّ خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه فقد جاء في الحديث الصّحيح «الحياء خير كلّه «٦» » .

والمقصود أنّ الذّنوب تضعف الحياء من العبد، حتّى ربّما انسلخ منه بالكلّيّة حتّى إنّه ربّما لا يتأثّر بعلم النّاس بسوء حاله، ولا باطّلاعهم عليه، بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل، والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء، وإذا وصل العبد إلى هذه الحال لم يبق في صلاحه مطمع.

وإذا رأى إبليس طلعة وجهه حيّا وقال: فديت من لا يفلح، ومن لا حياء فيه ميّت في الدّنيا شقيّ في الآخرة، وبين الذّنوب وقلّة الحياء وعدم الغيرة تلازم من الطّرفين، وكلّ منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا، ومن استحيا من الله عند معصيته استحيا الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستح من معصيته لم يستح الله من عقوبته «٧» .

[مظاهر الحياء وأقسامه:]

قال ابن القيّم: قسّم الحياء إلى عشرة أوجه:

حياء جناية، وحياء تقصير، وحياء إجلال، وحياء


(١) بذل المجهود (٨/ ٣٢٨) بتصرف.
(٢) بصائر ذوي التمييز (٢/ ٥١٧) .
(٣) فتح الباري (١٠/ ٥٢٢- ٥٢٣) .
(٤) التوقيف على مهمات التعاريف (١٥٠) .
(٥) الآداب الشرعية والمنح المرعية (٢/ ٢٢٧) .
(٦) انظر الحديث رقم (١٦) .
(٧) الداء والدواء (١٣١- ١٣٣) .