للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جائرا عادلا عن القصد ظالما، وتدلّ هذه الآية الكريمة على أنّ الإنسان يعاقب على ما ينويه من المعاصي بمكّة وإن لم يعمله، وقد روي عن ابن مسعود وابن عمر- رضي الله عنهم- لو همّ رجل بقتل رجل وهو في هذا البيت، وهو بعدن أبين (مكان بأقصى اليمن) لعذّبه الله. وهذا الإلحاد والظّلم يجمع المعاصي من الكفر إلى الصّغائر فلعظم حرمة المكان توعّد الله على نيّة السّيّئة فيه، ومن نوى سيّئة ولم يعملها لم يحاسب عليها إلّا في مكّة «١» .

[الإلحاد في أسمائه تعالى:]

وقال الفيروز آباديّ في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ (الأعراف/ ١٨٠) وذلك يكون على وجهين: أحدهما أن يوصف بما لا يصحّ وصفه، والثّاني: أن يتأوّل أوصافه على ما لا يليق له «٢» .

وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: «الإلحاد في أسمائه تعالى أنواع (أحدها) أن تسمّى الأصنام بها كتسميتهم اللّات من الإلهيّة، والعزّى من العزيز، وتسميتهم الصّنم إلها وهذا إلحاد حقيقة فإنّهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة. (الثّاني) تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النّصارى له أبا، وتسمية الفلاسفة له موجبا بذاته أو علّة فاعلة بالطّبع

ونحو ذلك. (والثّالث) وصفه بما يتعالى عنه ويتقدّس من النّقائص كقول أخباث اليهود: إنّه فقير، وقولهم: إنّه استراح بعد أن خلق خلقه، وقولهم: يد الله مغلولة، وأمثال ذلك ممّا هو إلحاد في أسمائه وصفاته. (ورابعها) تعطيل الأسماء عن معانيها، وجحد حقائقها كقول الجهميّة ومن تبعهم: إنّ أسماءه تعالى ألفاظ مجرّدة لا تتضمّن صفات ولا معاني فيطلقون عليه اسم السّميع والبصير والحيّ والرّحيم والمتكلّم والمريد، ويقولون:

لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به، هذا من أعظم الإلحاد فيها عقلا ولغة وشرعا وفطرة وهو مقابل لإلحاد المشركين. (خامسها) تشبيه صفاته تعالى بصفات خلقه فهو إلحاد في مقابله إلحاد المعطّلة تعالى الله عن إلحادهم علوّا كبيرا «٣» .

[الإلحاد في آيات الله:]

قال القرطبيّ: الإلحاد في الآيات: الميل عن الحقّ في أدلّة الله- عزّ وجلّ- الّتي تنزّل بها الذّكر الحكيم، وهذا يرجع إلى الّذين قالوا: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ (فصلت/ ٢٦) ، وهم الّذين قالوا: ليس القرآن من عند الله، أو هو سحر أو شعر، فالآيات: آيات القرآن. وقال مجاهد: يلحدون في آياتنا، أي عن تلاوة القرآن بالمكاء والتّصدية واللّغو والغناء.

وقال ابن عبّاس: هو تبديل الكلام ووضعه في غير موضعه. وقال السّدّيّ: يعاندون ويشاقّون، وقال ابن زيد: يشركون ويكذّبون. وقال: المعنى متقارب، وقيل: إنّ الآية نزلت في أبي جهل، ومن قال إنّ


(١) تفسير الطبري (١٧/ ١٠٤) ، وتفسير القرطبي (١٢/ ٢٤) ، ورغائب الفرقان للنيسابوري (مطبوع بهامش الطبري) (١٧/ ٨١) .
(٢) بصائر ذوي التمييز (٤/ ٤٢١) .
(٣) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للشيخ محمد ابن أحمد السفاريني (١/ ١٢٨) .