للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليزلزل حصونهم ويلقي في قلوبهم الرعب «١» ، وطلب إليهم: «ألّا يصلّينّ أحد العصر إلّا في بني قريظة» «٢» . كما خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم بنفسه إلى بني قريظة واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم «٣» ، وبعث عليّا على المقدمة برايته «٤» .

وكان عدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف رجل معهم ستة وثلاثون فرسا «٥» . واختلفت المصادر في تحديد مدة حصار بني قريظة، وأقوى الأدلة تبين أنه كان خمسا وعشرين ليلة «٦» .

أراد بنو قريظة، بعد أن اشتد عليهم الحصار، أن يستسلموا وينزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاستشاروا الصحابي أبا لبابة بن عبد المنذر، وكان حليفا لهم، فأشار عليهم بأن ذلك يعني ذبحهم «٧» . ونزل يهود بني قريظة على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس أملا في أن يرأف بهم بسبب الحلف القديم بينهم وبين الأوس. وقد قضى سعد فيهم أن «تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسّم أموالهم» ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «قضيت بحكم الله» «٨» .

وقد نفذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حكم الله فيهم، وكانوا أربعمائة مقاتل «٩» . ولم يقتل من نسائهم إلّا امرأة واحدة كانت قد قتلت أحد الصحابة حين ألقت عليه رحى من أعلى الحصن، أما الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم فقد أطلق سراحهم «١٠» . ثم شرع النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك في تقسيم أموالهم وذراريهم بين المسلمين «١١» . وإلى ذلك يشير القرآن الكريم في قوله تعالى: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً «١٢» .

[الغزوات والسرايا والبعوث بعد غزوة بني قريظة حتى الحديبية:]

بعد ما حقق المسلمون ما حققوه من نجاح في صد الأحزاب وإفشال خططهم، وردهم كيد يهود بني قريظة في نحورهم، فباشروا نشاطا واسع النطاق ضد خصومهم على كافة الجبهات، فقد ضيّقوا الخناق الاقتصادي على قريش من جديد كما نفذوا العديد من السرايا لمعاقبة المشاركين في الأحزاب من جهة أو للثأر من


(١) البخاري- الصحيح (فتح الباري- ٣/ ١٣٤- ١٤٤) .
(٢) المرجع السابق ٣/ ٣٤، ووردت في رواية مسلم (الصحيح ٥/ ١٦٣) الظهر بدلا من العصر وقد جمع العلماء بين الروايتين (ابن حجر- فتح الباري ٧/ ٤٠٨- ٤٠٩) .
(٣) ابن هشام- السيرة ٣/ ٧١٦- ٧١٧.
(٤) المرجع السابق ٣/ ٧١٧، ابن حجر- فتح ٧/ ٤١٣.
(٥) ابن سعد- الطبقات ٣/ ٧٤، ابن سيد الناس- عيون الأثر ٣/ ٦٨ دون إسناد.
(٦) ابن حزم- جوامع السيرة ص/ ١٩٣، الطبري- تاريخ ٢/ ٥٨٣.
(٧) وقد ندم أبو لبابة على ذلك وربط نفسه إلى إحدى سواري المسجد النبوي حتى قبلت توبته (أحمد- الفتح الرباني ٢١/ ٨١- ٨٣) .
(٨) البخاري- الصحيح (فتح الباري- ٢/ ١٢٠، ٣/ ٢٤- ٢٥) ، مسلم- الصحيح ٥/ ١٦٠- ١٦١.
(٩) أحمد- المسند ٣/ ٣٥٠، وفصل ابن حجر (فتح ٧/ ٤١٤) في اختلاف المرويات بشأن عددهم والتي تراوحت بين ٤٠٠- ٩٠٠ وقد نجا ثلاثة منهم اعتنقوا الإسلام، كما نجا بنو سعفه منهم بسبب التزامهم بالعهد في غزوة الخندق.
(١٠) ابن سعد- الطبقات ٢/ ٧٦- ٧، ابن هشام- السيرة ٣/ ٧٢٤.
(١١) البخاري- الصحيح ٣/ ١١، مسلم- الصحيح ٥/ ١٥٩.
(١٢) سورة الأحزاب، الآية/ ٢٧.