للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما المستوى الثاني: فهو الحسي الذي تميزه استجابات محددة وموضوعات فعلية، ويبدو من دراسات بياجيه، أن هناك تخلفا لدى الأطفال في الأحكام الخلقية في المراحل العمرية الأولى عكس الأطفال الكبار، وبالتالي فالطفل الأكثر نضجا لديه القدرة على ممارسة وتطبيق مبدأ التعاون أو الأخذ والعطاء «١» .

وإذا كان بياجيه قد قدم نظريات هامة في مجال النمو الإنساني طبقا لمراحل النمو، فإنه قدم أسسا للنمو الأخلاقي نوردها فيما يلي:

١- النمو الأخلاقي والنمو المعرفي:

حيث يرى أن هناك علاقة بين مستوى الذكاء ومستوى النمو الأخلاقي بمعنى أن الخبرة والذكاء وليس العمر الزمني يعتبران من أحسن المؤشرات الدالة على التعرف على الأعمال المشينة وغير المشينة، ولكن ليس معنى كون الإنسان ذكيا يعني أنه أخلاقي، فكثير من الحالات تشير إلى أن الذكاء البشري قد يتوجه إلى الشر، إلا أنه من المهم التأكيد على أن النمو في المعرفة الخلقية يلزمه قدرة معرفية مناسبة في الفرد أيا كان ذلك النمو.

٢- الخبرة الاجتماعية القائمة على المساواة:

ويرى أن التفاعل الاجتماعي بين الرفاق القائم على المساواة هو المصدر الرئيسي لإدراك أن أخلاقيات التعاون هي أساس العلاقات الاجتماعية المتناغمة وهي التي تحقق الانسجام بين أفراد المجتمع، وأشار بياجيه إلى أنه إذا أعطى الوالدان الطفل شعورا بالمساواة بتأكيد التزامات كل فرد ومظاهر عجزه، وأن يقوما بالوعظ عن طريق القدوة فإنهما يدفعان الطفل إلى الترقي على سلم النمو الخلقي، وهذا المنحى في تربية الأطفال يؤكد القيمة الكبرى للنمط غير التسلطي في التربية.

٣- الاستقلال عن سلطة الكبار القسرية:

حيث يعتبر أن الاستقلال المتزايد على سلطة الكبار- التي تعتبر قسرية وإكراها- سبب ونتيجة لتزايد إقبال الطفل على أخلاقيات التعاون، وبالتالي يقهر التمركز حول الذات ويقبل أكثر على التعاون بين الأقران، ومعنى هذا أنه كلما زاد استقلال الطفل عن سيطرة الكبار كلما زاد انطلاقه وإخلاصه لمبدأ التعاون بين الأقران الذي يؤكد هذه الاستقلالية. ومعنى هذا أن الاتجاهات الوالدية القسرية والمتطرفة في القسر ترتبط ارتباطا سالبا بالنمو الخلقي السليم.

وإذا كان ثمة اتفاق بين الباحثين على ما نادى به بياجيه في كثير من آرائه مثل: تأكيدهم أن الطفل- وهو لا يمكن أن ننظر إليه كبالغ- تنقصه جرعة من التلقين والإرشاد. وأن ما يبدو عدم نضج حين ننظر إلى الطفل قد


(١) المرجع السابق، ص ٤٩، وماجد عرسان الكيلاني، ص ٢٣.