للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تبليغ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلّ ما أمر بتبليغه من الوحي، وتبليغ حملة العلم من أمّته أمور الشّريعة إلى كلّ من لم تبلغه دون خوف أو وجل.

التبليغ وظيفة الرّسل الكرام:

يقول الشيخ عبد الله بن جبرين: مقتضى شهادة أنّ محمّدا رسول الله الاعتقاد الجازم بأنّه صلّى الله عليه وسلّم مرسل من ربّه عزّ وجلّ، وقد حمّله الله هذه الشّريعة كرسالة، وكلّفه بتبليغها إلى الأمّة، وفرض على جميع الأمّة تقبّل رسالته والسّير على نهجه «١» . وأنّه من الأمور الّتي يحصل بها التّأثّر والتّحقّق لأداء هذه الشّهادة والانتفاع بها تبليغه الرّسالة «٢» :

لقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (المائدة/ ٦٧) ، وهذا تكليف من ربّه تعالى، فلا بدّ من حصوله مع أنّ هذا هو وظيفة الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم من جملتهم، وقد قال تعالى: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ (الشورى/ ٤٨) ، وقال عزّ من قائل: وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (النور/ ٥٤) ، وقد شهد له صحابته- رضي الله عنهم- بهذا البلاغ والبيان، وقد اشتهر أنّه صلّى الله عليه وسلّم بدأ بدعوة أهل بلده وقومه، ثمّ بدعوة العرب في أنحاء الجزيرة، ثمّ بمن وراءهم، فكان يرسل الرّسل إلى القبائل في البوادي والقرى للدّعوة إلى الله وقبول هذه الرّسالة، ثمّ بعث الدّعاة إلى اليمن والبحرين وغيرهما، ثمّ بعث كتبا تتضمّن الدّعوة إلى هذه الشّريعة إلى ملوك الفرس والرّوم وغيرهم، فما توفّي حتّى انتشرت دعوته، واشتهر أمره عند القريب والبعيد، وقد قام صحابته من بعده بالدّعوة إلى دينه وقتال من أبى وامتنع من قبولها حتّى يدخل في الإسلام أو يعطي الجزية، حتّى بلغت هذه الدّعوة أقطار الأرض في أقصر مدّة ... » «٣» .

أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بالتبليغ ودعاؤه للمبلّغين:

قال الإمام ابن تيمية: أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الأمّة أن يبلّغ عنه من شهد لمن غاب، ودعا للمبلّغين بالدّعاء المستجاب، فقال في الحديث الصّحيح: «بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» ، وقال أيضا في خطبته في حجّة الوداع: «ألا ليبلّغ الشّاهد الغائب، فربّ مبلّغ أوعى من سامع» ، وقال أيضا: «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا فبلّغه إلى من لم يسمعه، فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب مسلم «٤» : إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم» . وفي هذا دعاء منه لمن بلّغ حديثه وإن لم يكن فقيها، ودعاء لمن


(١) الشهادتان (٣٩) .
(٢) من الأمور الأخرى التي يحصل بها ذلك: أهليته لهذه الرسالة وعصمته من الخطايا، وعموم رسالته، وختم النبوة به.. انظر تفصيل ذلك في المرجع السابق (٣٩- ١٠١) .
(٣) الشهادتان (٤٩) بتصرف.
(٤) المعنى: أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر (النهاية لابن الأثير (٣/ ٣٨١) .