[من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الفرار إلى الله)]
١-* (عن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة- رضي الله عنها- مع عبيد بن عمير اللّيثيّ، فسألناها عن الهجرة، فقالت: «لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفرّ أحدهم بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه، فأمّا اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربّه حيث شاء، ولكن جهاد ونيّة) * «١» .
٢-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
خرجت يوم الخندق أقفو «٢» آثار النّاس، قالت:
فسمعت وئيد الأرض ورائي- يعني حسّ الأرض-.
قالت: فالتفتّ فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنّه «٣» ، قالت: فجلست إلى الأرض، فمرّ سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوّف على أطراف سعد، قالت:
وكان سعد من أعظم النّاس، وأطولهم، قالت: فمرّ وهو يرتجز ويقول:
ليت قليلا يدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت: فقمت، فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر بن الخطّاب، وفيهم رجل عليه سبغة له- يعني مغفرا «٤» - فقال عمر: ما جاء بك لعمري، والله إنّك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوّز «٥» . قالت: فما زال يلومني حتّى تمنّيت أنّ الأرض انشقّت لي ساعتئذ، فدخلت فيها. قالت: فرفع الرّجل السّبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمر، ويحك إنّك قد أكثرت منذ اليوم وأين التّحوّز أو الفرار إلّا إلى الله- عزّ وجلّ-. قالت: ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش، يقال له ابن العرقة بسهم، فقال له:
خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله «٦» فقطعه، فدعا الله- عزّ وجلّ- سعد فقال: اللهمّ لا تمتني حتّى تقرّ عيني من قريظة، قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهليّة، قالت: فرقي كلمه «٧» وبعث الله- عزّ وجلّ- الرّيح على المشركين فكفى الله- عزّ وجلّ- المؤمنين شرّ القتال، وكان الله عزيزا) * «٨» .
٣-* (سئل ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن الخائفين؟. فقال: قلوبهم بالخوف قرحة، وأعينهم باكية، يقولون: كيف نفرح والموت من
(١) البخاري- الفتح ٧ (٣٩٠٠) .
(٢) أقفو: أتتبّع.
(٣) المجنّ: الترس وهو ما يتقي به السهام.
(٤) المغفر: حلق يتقنع به المتسلح، أوزرد يلبس تحت القلنسوة.
(٥) التحوز: التجمع.
(٦) الأكحل: عرق في اليد، وهو عرق الحياة.
(٧) فرقى كلمه: أي شفى جرحه.
(٨) أحمد (٦/ ١٤١) .
