للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شديد، وهذا لا يجوز فيه وفي أمثاله إلّا العوج، والعوج في الأرض ألّا تستوي قال تعالى: لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً، وهو بفتح العين (عوج) مختصّ بكلّ شخص مرئيّ، وبالكسر (العوج) بما ليس بمرئيّ كالرّأي والقول، وقيل: بالكسر يقال فيهما معا والتّفرقة أكثر، ولذلك يقال: رجل أعوج بيّن العوج (بالفتح) أي سيّء الخلق. وعوج أيضا يعني الزّيغ يقال: عوج الطّريق (بالكسر) أي زيغه واشتقاقها من عوج (بالكسر) عوجا وعوجا (بالفتح والكسر) واعوجّ وانعاجّ، وهو أعوج وهذا يكون لكلّ مرئيّ «١» .

[الاعوجاج اصطلاحا:]

قال الكفويّ: الاعوجاج هو في المحسوسات عدم الاستقامة الحسّيّة وفي غيرها عدم كونها على ما ينبغي «٢» .

أمّا الاعوجاج في أمر الدّين فيمكن تعريفه بأنّه: عدم سلوك الصّراط المستقيم والميل عنه إلى ما لا ينبغي يمنة أو يسرة. ويلزم من ذلك ترك الطّاعات أو شيء منها، وفعل المنهيّات أو شيء منها كلّ ذلك اعوجاج «٣» .

[أحوال الناس في الاستقامة والاعوجاج:]

لا يخلو حال النّاس فيما أمروا به ونهوا عنه من فعل الطّاعات واجتناب المعاصي من أربعة أحوال:

الأولى: من يستجيب إلى فعل الطّاعات، واجتناب المعاصي، وهذا أكمل أحوال أهل الدّين وأفضل صفات المتّقين، وهذا يستحقّ جزاء العاملين وثواب المطيعين. وهذه حال الاستقامة أو الطّاعة.

الثّانية: من يمتنع من فعل الطّاعات ويقدم على ارتكاب المعاصي وهي أخبث أحوال المكلّفين، وهذا يستحقّ عذاب الّذي يلهو وعذاب من يجترىء على حدود الله وهذه حال الاعوجاج أو المعصية.

الثّالثة: من يستجيب إلى فعل الطّاعات، ويقدم على ارتكاب المعاصي وهذا يستحقّ عذاب المجتريء لأنّه تورّط بغلبة الشّهوة في الإقدام على المعصية وإن سلم من التّقصير في فعل الطّاعة، وهذه حال بين الاعوجاج والاستقامة، أو حال المجتريء.

الرّابعة: من يكفّ عن الطّاعات والمعاصي معا، وهذا يستحقّ عذاب اللّاهي عن دينه، وهذه حال أقرب إلى الاعوجاج منها إلى الاستقامة وتسمّى ب «حال اللّاهي» «٤» .

[للاستزادة: انظر صفات: الإلحاد- الضلال الفجور- الفسق- التفريط والإفراط- الإصرار على الذنب- اتباع الهوى.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاستقامة- حسن الخلق- الهدى] .


(١) مقاييس اللغة (٤/ ١٨٠) ، المفردات للراغب (٣٥١) ، وبصائر ذوي التمييز (٤/ ١٠٧) ، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (٣/ ٣١٥) ، والصحاح (١/ ٣٣٠) ، ولسان العرب (عوج) (٣١٥٤) (ط. دار المعارف) .
(٢) الكليات للكفوي (٢/ ٢٤٢) (ط ثانية ١٩٩٢) .
(٣) اقتبسنا هذا التعريف من أقوالهم في «الاعوجاج» والاستقامة التي هي ضده. انظر صفة الاستقامة.
(٤) أدب الدنيا والدين (١٠٤) ، وانظر أيضا: قراءة تربوية في فكر أبي الحسن الماوردي من خلال أدب الدنيا والدين (١٢٥) .