للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- فعن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من رآني في المنام فقد رآني فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بي» «١» .

قال القرطبيّ- رحمه الله- بعد أن سرد أقوالا كثيرة في معنى الحديث: والصّحيح في تأويل هذا الحديث. أنّ رؤيته صلّى الله عليه وسلّم في كلّ حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حقّ في نفسها. وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطّيّب وغيره» «٢» . أ. هـ.

وبيّن العلماء رحمهم الله أنّ هذه الرّؤيا مشروطة بأن يراه الرّائي على صورته الّتي كان عليها في الحياة الدّنيا والّتي جاءت مفصّلة في الأحاديث.

فائدة: قال الحافظ ابن كثير: واتّفقوا على أنّ من نقل عنه حديثا في المنام أنّه لا يعمل به لعدم الضّبط في رواية الرّائي فإنّ المنام محلّ تضعف فيه الرّوح وضبطها» «٣» .

٩- عبارات جافية في ظاهرها رحمة في غايتها:

لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاحشا ولا متفحّشا ولا لعّانا ولا منتقما لنفسه إلّا أن تنتهك حرمات الله فينتقم لله تعالى، وإنّما كان صلّى الله عليه وسلّم عفوّا حليما عظيم الشّفقة على أمّته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرّغبة في كلّ ما ينفعهم كما مرّ مفصّلا، فعند ما قدم الطّفيل الدّوسيّ وأصحابه فقالوا: يا رسول الله، إنّ دوسا قد كفرت وأبت فادع الله عليها. فقال: «اللهمّ اهد دوسا وائت بهم» «٤» وأمثال هذا كثير.

وما وقع منه صلّى الله عليه وسلّم في النّادر والقليل من دعاء وألفاظ ظاهرها السّبّ فمحمول- كما قال النّوويّ رحمه الله- على أنّ ظاهرها وحقيقتها غير مرادة وليس هي عن قصد بل هي ممّا جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلانيّة كقوله: تربت يمينك» «٥» و «عقرى حلقى» «٦» وقوله لامرأة «لا كبر سنّك» وقوله في معاوية: «لا أشبع الله بطنه «٧» » أو محمول على أنّ من أطلق في حقّه هذه العبارات مستوجب مستحقّ له في الظّاهر بأمارة شرعيّة.


(١) رواه البخاري- انظر الفتح ١٢ (٦٩٩٤) . ومسلم برقم (٢٢٦٦) .
(٢) انظر فتح الباري (١٢/ ٤٠١) .
(٣) انظر الفصول في سيرة الرسول لابن كثير (ص ٢٩٨- ٢٩٩) .
(٤) رواه البخاري- انظر فتح الباري ٧ (٤٣٩٢) . ومسلم برقم (٢٥٢٤) واللفظ له.
(٥) تربت يمينك: ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب، وأترب إذا استغني.. انظر النهاية (١/ ١٨٤) .
(٦) عقرى حلقي: قال الزمخشري: هما صفتان للمرأة المشئومة أي أنها تعقر قومها وتحلقهم: أي تستأصلهم من شؤمها عليهم. انظر النهاية (٣/ ٢٧٢، ٢٧٣) .
(٧) رواه مسلم برقم (٢٦٠٤) .