للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الشجاعة)

٨-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّه قال لرجل قال له: أكنتم ولّيتم يوم حنين يا أبا عمارة؟ فقال: أشهد على نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ما ولّى ولكنّه انطلق أخفّاء من النّاس، وحسّر إلى هذا الحيّ من هوازن، وهم قوم رماة. فرموهم برشق من نبل. كأنّها رجل من جراد. فانكشفوا. فأقبل القوم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته. فنزل ودعا واستنصر، وهو يقول: «أنا النّبيّ لا كذب. أنا ابن عبد المطّلب. اللهمّ نزّل نصرك» . قال البراء: كنّا والله إذا احمرّ البأس نتّقي به. وإنّ الشّجاع منّا للّذي يحاذي به- يعني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «١» .

٩-* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه- قال: لمّا جال النّاس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الجولة يوم أحد، تنحّيت فقلت: أذود عن نفسي، فإمّا أن أستشهد، وإمّا أن أنجو حتّى ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فبينا أنا كذلك إذا برجل مخمّر وجهه ما أدري من هو، فأقبل المشركون حتّى قلت: قد ركبوه، ملأ يده من الحصى، ثمّ رمى به في وجوههم، فنكبوا على أعقابهم القهقرى حتّى يأتوا الجبل، ففعل ذلك مرارا، ولا أدري من هو، وبيني وبينه المقداد بن الأسود، فبينا أنا أريد أن أسأل المقداد عنه، إذ قال المقداد: يا سعد هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوك، فقلت: وأين هو؟ فأشار لي المقداد إليه، فقمت ولكأنّه لم يصبني شيء من الأذى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين كنت اليوم يا سعد؟» . فقلت: حيث رأيت يا رسول الله! فأجلسني أمامه فجعلت أرمي، وأقول: اللهمّ سهمك فارم به عدوّك، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهمّ استجب لسعد، اللهم سدّد لسعد رميته، إيها «٢» سعد» . فداك أبي وأمّي، فما من سهم أرمي به إلّا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ سدّد رميته وأجب دعوته، إيها سعد» حتّى إذا فرغت من كنانتي نثر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما في كنانته فنبلني سهما نضيّا) * «٣» .

قال الزّهريّ: إنّ السّهام الّتي رمى بها سعد يومئذ كانت ألف سهم «٤» .

١٠-* (عن العبّاس بن عبد المطّلب- رضي الله عنه- قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين.

فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم نفارقه. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذاميّ. فلمّا التقى المسلمون والكفّار ولّى المسلمون مدبرين، فطفق


(١) البخاري- الفتح ٧ (٤٣١٧) . ومسلم (١٧٧٦) واللفظ له.
(٢) إيه: اسم فعل للاستزادة من حديث أو عمل معهود، فإذا نونتها كانت للاستزادة من حديث أو عمل ما، وتكون للإسكات والكف بمعني حسبك وتنون منصوبة فتقول: إيها لا تحدث.
(٣) السهم النضي: هو الذي قد ركب عليه الريش وكان أشد من غيره.
(٤) الحاكم (٣/ ٢٦) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.