للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عرف حقيقة الحياة ولوازمها وكذلك سائر صفاته كذلك «١» .

قال ابن القيّم: إذا تقرّر هذان الأصلان فاسم الله دالّ على جميع الأسماء الحسنى والصّفات العليا بالدّلالات كلّها، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهيّة الّتي اشتقّ منها اسم «الله» وهو دالّ على كونه مألوها معبودا تألّهه الخلائق محبّة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه في الحوائج والنّوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيّته ورحمته المتضمّنين لكمال الملك والحمد، وإلهيّته وربوبيّته ورحمته وملكه مستلزمة لجميع صفات كماله، إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحيّ، ولا سميع ولا بصير، ولا قادر ولا متكلّم ولا فعّال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله وعلى ذلك:

فصفات الجلال والكمال أخصّ باسم «الله» وصفات الفعل والقدرة والتّفرّد بالضرّ والنّفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة، وكمال القوّة، وتدبير أمر الخليقة أخصّ باسم «الرّبّ» .

وصفات الإحسان والجود والبرّ والحنان والمنّة، والرّأفة واللّطف أخصّ باسم «الرّحمن» الّذي الرّحمة وصفه، والرّحيم الّذي هو راحم لعباده.

وصفات العدل والقبض والبسط، والخفض والرّفع، والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والقهر والحكم ونحوها أخصّ باسم «الملك» «٢» .

[التوحيد أصل الدين:]

قال ابن تيميّة: «والتّوحيد هو أصل الدّين الّذي لا يقبل الله من الأوّلين والآخرين دينا غيره، وبه أرسل الله الرّسل، وأنزل الكتب، كما قال الله: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (الزخرف/ ٤٥) . وقال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (الأنبياء/ ٢٥) ... وقد ذكر الله- عزّ وجلّ- عن كلّ من الرّسل أنّه افتتح دعوته بأن قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ* (هود/ ٥٠، ٦١) .

والمشركون- من قريش وغيرهم- الّذين أخبر القرآن بشركهم واستحلّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دماءهم وأموالهم، وسبي حريمهم وأوجب لهم النّار- كانوا مقرّين بأنّ الله وحده خلق السّماوات والأرض كما قال تعالى:

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (لقمان/ ٢٥) .

وكان المشركون الّذين جعلوا مع الله آلهة أخرى مقرّين بأنّ آلهتهم مخلوقة، ولكنّهم كانوا يتّخذونهم


(١) ضرب ابن القيم لذلك أسئلة عديدة، من ذلك على سبيل المثال اسم العليّ فإنّ من لوازم هذا الاسم العلو المطلق، بكل اعتبار، فله العلو المطلق من جميع الوجوه: علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذّات، ومن جحد علوّ الذّات فقد جحد لوازم اسمه «العلي» مدارج السالكين (١/ ٤٠) .
(٢) مدارج السالكين (١/ ٣٣- ٤٣) باختصار وتصرف. وانظر أيضا شرح العقيدة الطحاوية (٨٩) حيث ذكر تحت عنوان أنواع التوحيد التي دعت إليها الرّسل نوعين: هما توحيد في الإثبات والمعرفة، والآخر توحيد في الطلب والقصد (ص ٨٩ وما بعدها) وقد لخّص كلام ابن القيم هنا.