للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخدّ لتطرّق النّقص إليه. ثمّ إنّ الإنسان لو ترقّى ونظر في ملكوت السّماوات والأرض وعجائبها لرأى ما يستحقر فيه عجائب بدنه، وكيف لا؟ وخلق السّماوات والأرض أكبر من خلق النّاس. هذا هو الطّريق لمعرفة هذا الاسم؛ لأنّ معرفة الأسامي المشتقّة من الأفعال لا تفهم إلّا بعد فهم الأفعال وأنت تعلم أنّ كلّ ما في الوجود من أفعال الله. فإذا كان الأمر كذلك فإنّ الواجب على العبد بعد إيمانه بأنّ الله عدل أنّه لا يعترض عليه في تدبيره وحكمه وسائر أفعاله، وافق مراده أم لم يوافق؛ لأنّ كلّ ذلك عدل، وتيقّنه أنّه لو لم يفعل- سبحانه وتعالى- ما فعله لحصل في الوجود أمر آخر هو أعظم ضررا ممّا حصل كما أنّ المريض لو لم يحتجم لتضرّر ضررا يزيد على ألم الحجامة «١» .

[العدل اصطلاحا:]

هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله- سبحانه وتعالى- وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم لا الحكم بالرّأي المجرّد «٢» .

وقيل: بذل الحقوق الواجبة وتسوية المستحقّين في حقوقهم «٣» .

وقال ابن حزم: هو أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه «٤» .

وقال الجرجانيّ: العدل الأمر المتوسّط بين الإفراط والتّفريط.

والعدالة في الشّريعة: عبارة عن الاستقامة على طريق الحقّ بالاجتناب ممّا هو محظور دينا «٥» .

[فضيلة العدل:]

قال الفيروز اباديّ- رحمه الله تعالى-: العدل:

هو القسط على سواء، وعلى هذا روي: بالعدل قامت السّماوات والأرض، تنبيها على أنّه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر أو ناقصا عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما.

[أنواع العدل وأنحاؤه:]

والعدل ضربان: مطلق يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخا، ولا يوصف بالاعتداء بوجه، نحو الإحسان إلى من أحسن إليك، وكفّ الأذى عمّن كفّ أذاه عنك.

وعدل يعرف كونه عدلا بالشّرع. ويمكن أن يكون منسوخا في بعض الأزمنة، كالقصاص وأرش الجنايات، وأخذ مال المرتدّ، ولذلك قال تعالى:

فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (البقرة/ ١٩٤) ، وقال: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (الشورى/ ٤٠) فسمّى ذلك سيّئة واعتداء. وهذا النّحو هو المعنيّ بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ (النحل/ ٩٠ مكية) . فإنّ العدل هو المساواة في


(١) بتصرف شديد من المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى (٩٨- ١٠١) .
(٢) فتح القدير (١/ ٤٨٠) .
(٣) الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (٢٥٣) .
(٤) مداواة النفوس (٨١) .
(٥) التعريفات للجرجاني (١٥٣) .