للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرّجولة والفتوّة والمروءة والإنسانيّة:

هذه صفات أربع يرجع اشتقاقها إلى جنس الذّكور وما يتحلّون به من صفات القوّة ونحوها، فالرّجولة نسبة إلى الرّجل والفتوّة ترجع إلى الفتى، والمروءة إلى المرء، والإنسانيّة ترجع إلى الإنسان، وفي المجال الأخلاقيّ (أو الاصطلاحيّ) ، نجد المقصود بالمروءة والإنسانيّة «١» أعمّ من نظيريهما الفتوّة والرّجولة لأنّ المرء أو الإنسان قد يكون فتى شابّا أو رجلا كهلا، والرّجولة في أظهر معانيها تعني اتّصاف الإنسان بما يوصف به الرّجال عادة من نحو تحمّل الأعباء الثّقال ومن أبرز ذلك تحمّل الرّسل الكرام لأعباء الرّسالة، كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ (الأنبياء/ ٧) ، ومن ذلك صدق الرّجل فيما عاهد عليه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (الأحزاب/ ٢٣) ، ومنها حبّ التّطهّر فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا (التوبة/ ١٠٨) ، ومنها أنّ الرّجل لا تشغله العوارض عن ذكر الله والعمل للآخرة، مصداق ذلك قول الله تعالى رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (النور/ ٣٧) ، فالرّجل الحقّ على ذلك هو من يتحمّل الأعباء وينهض بها ويصدق العهد ويحبّ التّطهّر ولا تشغله سفاسف الأمور عن معاليها، أمّا الفتوّة فإنّها تعني اتّصاف المرء بما يوصف به الفتى من النّجدة والنّشاط وتوقّد الذّكاء، قال طرفة:

إذا القوم قالوا من فتى؟ خلت أنّني ... عنيت، فلم أكسل ولم أتبلّد «٢»

وقال بعض الشّعراء:

إنّ الفتى حمّال كلّ ملمّة ... ليس الفتى بمنعّم الشّبّان

ولا تتوقّف الفتوّة على المال أو الجاه وإنّما على شرف الأعمال والخصال.

قد يدرك الشّرف الفتى، ورداؤه ... خلق، وجيب قميصه مرقوع «٣»

لقد لا حظ العرب بعض هذه المعاني، فقال الجوهريّ: الفتى: السّخيّ الكريم «٤» ، يقال: هو فتى بيّن الفتوّة، ويتأكّد هذا المعنى اللّغويّ للفتوّة بما جاء في الذّكر الحكيم من وصف أهل الكهف بأنّهم فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وفي هذا إشارة واضحة إلى أنّ صفة الفتوّة فيهم تفيد قوّة تحمّلهم وصلابة عزيمتهم وكمال عقولهم المتمثّل في الإيمان بالله تعالى، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية الكريمة: ذكر الله تعالى أنّهم فتية وهم الشّباب وهم أقبل للحقّ وأهدى للسّبيل من الشّيوخ الّذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ورسوله شبابا، وأمّا الشّيوخ من قريش فعامّتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلّا القليل» «٥» .


(١) سوّى ابن القيم بين صفتي المروءة والانسانية وجعلهما مترادفين انظر مدارج السالكين ٢/ ٣٦٦.
(٢) ديوان طرفة/ المعلقة.
(٣) عن لسان العرب ١٥/ ١٤٦ (ط. بيروت) .
(٤) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(٥) تفسير ابن كثير (٣/ ٧٨) .