للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا نقصد أنّ أولئك يفيدون بأنفسهم وإنّما نقصد شفاعتهم إلى الله في ذلك، قيل له: إنّ ذلك هو مقصد الكفّار الأوّلين ومرادهم، وليس مرادهم أنّ الهتهم تخلق أو ترزق أو تنفع أو تضرّ بنفسها بدليل ما حكاه القرآن عنهم من نحو قولهم: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ ٣) وقوله عزّ من قائل: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ (يونس/ ١٨) وقد ردّ عليهم المولى هذا القول بقوله سبحانه:

قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (يونس/ ١٨) فأبان سبحانه أنّه لا يعلم في السّموات ولا في الأرض شفيعا عنده على الوجه الّذي يقصده المشركون، وما لا يعلم الله وجوده، لا وجود له، لأنّه سبحانه لا يخفى عليه شيء «١» .

٣- الذّبح لغير الله والنّذر لغيره سبحانه:

يقول الشّيخ ابن باز- مدّ الله في عمره-: قال الله- عزّ وجلّ-: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (الأنعام/ ١٦٢- ١٦٣) فأمر الله نبيّه أن يخبر النّاس أنّ صلاته ونسكه- وهو الذّبح- ومحياه ومماته لله ربّ العالمين لا شريك له، فمن ذبح لغير الله فقد أشرك بالله كما لوصلّى لغير الله، لأنّ الله سبحانه جعل الصّلاة والذّبح قرينين وأخبر أنّهما لله وحده لا شريك له، فمن ذبح لغير الله من الجنّ والملائكة والأموات وغيرهم يتقرّب إليهم بذلك فهو كمن صلّى لغير الله. وفي الحديث الصّحيح يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله من ذبح لغير الله «٢» » «٣» .

أمّا النّذر لغير الله تعالى فإنّه أعظم (إثما) من الحلف بغيره سبحانه، وإذا كان من حلف بغير الله قد أشرك، فكيف بمن نذر لغير الله؟ «٤» .

٤- الحلف بغير الله تعالى:

قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: إنّ الحلف بالمخلوقات شرك بخالقها، كما جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك «٥» (أو كفر) » .

وقد اتّفق المسلمون على أنّه من حلف بالمخلوقات المحرّمة أو بما يعتقد هو حرمته كالعرش، والكرسيّ، والكعبة، والملائكة والصّالحين وغير ذلك لا ينعقد يمينه، ولا كفّارة في الحلف بذلك، وهو حرام عند الجمهور «٦» ، ولم يقل أحد من العلماء المتقدّمين أنّ اليمين ينعقد بأحد من الخلق، إلّا في نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم فإنّ عن أحمد روايتين في أنّه ينعقد اليمين به، وقد طرد


(١) إقامة البراهين للشيخ ابن باز ص ٣٩- ٤٥ (بتصرف وإيجاز) .
(٢) رواه مسلم ج ٣ ص ١٥٦٧.
(٣) إقامة البراهين ص ٢٤.
(٤) مدارج السالكين ص ٣٧٤- ٣٧٥.
(٥) رواه الترمذي ج ٤ ص ١١٠ حديث رقم (١٥٣٥) ، وقال: حديث حسن، ونصّه: أنّ ابن عمر- رضي الله عنه- سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا يحلف بغير الله، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو شرك» قال الترمذي: وفسر هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله «قد كفر أو شرك» على التغليظ.
(٦) قاعدة جليلة ص ٥٨، وانظر مدارج السالكين ١/ ٣٧٥.